كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

مخالفةُ الاثنين للثلاثة في الحكم، فلمَّا قالوا: واثنان يا رسول الله، قال: " واثنان "، قال بعضهم: لو استزَدْناه لزادنا. ورواه أحمد في " مسنده " (¬1) في الواحد من حديث أبي عبيدة عن ابن مسعود، وهو الحديث الثاني من " مسنده " في " جامع المسانيد " لابن الجوزي، بل قد صح في البخاري (¬2) ما يقتضي ذلك في الواحد، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله من قَبَضْتُ صَفِيَّهُ من أهلِ الدنيا لم يكُن له جزاءٌ عندي إلاَّ الجنةُ ".
وقد صرَّحتِ الأحاديث بأن الكتم في هذا المعنى مقصودٌ كما في حديث مُعاذٍ المشهور (¬3) وفي غيره، وهو يُقوي هذا التأويل، ويُضعفُ العمل بالمفهوم في نحو ذلك، بل يوجب بطلانه، وليت شعري ما يقول متأوِّل النصوص بذلك وما يظن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بلاغته وفصاحته، أنه لم يفهم العبارة، ولم يفهم أن للصغائر اسماً يخُصُّها، وللعموم لفظاً يدلُّ عليه، فما استطاع أن يوضِّحَ أن
¬__________
(¬1) 1/ 375 و429، وأخرجه الترمذي (1061)، وابن ماجه (1606). وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. قلت: وليس فيه " لو استزدناه لزادنا ". وإنما لفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قدَّمَ ثلاثةً لم يبلغوا الحِنْثَ كانوا له حِصْناً حَصيناً من النار "، فقال أبو الدرداء: قدَّمتُ اثنين؟ قال: " واثنين "، فقال أُبي بن كعب أبو المنذر سيِّدُ القراء: قدمتُ واحداً؟ قال: " واحد، ولكن ذاك في أول صدمة ".
وأخرج أحمد 3/ 306 عن محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم، عن محمود بن لبيد، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من مات له ثلاثة من الولد، فاحتسبهم دخل الجنة "، قال: قلنا: يا رسول الله، واثنان؟ قال: " واثنان " قال محمود: فقلت لجابر: جراكم لو قلتم: وواحد لقال: وواحد، قال: أنا والله أظن ذاك.
ذكره الهيثمي 3/ 7. وقال: رجاله ثقات.
(¬2) رقم (6424).
(¬3) يريد ما أخرج البخاري (2856)، ومسلم (30) عن عمرو بن ميمون، عن معاذ. وفيه: " فإنَّ حَقَّ الله على العباد أن يعبُدوا الله، ولا يُشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عز وجَلَّ أن لا يُعَذِّبَ من لا يُشركُ به شيئاً " قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّرُ الناسَ؟ قال: " لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلُوا ".

الصفحة 138