كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وحاطب (¬1)، وغيرهم، فازدادوا صلاحاً وتقوى، وكلُّ من تجرأ بعد سماع البشرى، فهو ممن عَلِمَ الله أنه جريء ولو لم يسمعها، وذلك مثل من تجرأ بعد سماع قبول التوبة، ومثل الشياطين الذين قال الله فيهم وفيمن أضلوه: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 161 - 163]، فنص على أنه ليس في خلقه لهم مفسدة، وكذلك جميع ما جاءت به رسله إلاَّ على الأشقياء الذين وصفهم الله بأن القرآن عليهم عمىً وهو أعظم الشقاء، وتأويل أهل السنة بالوجهين الأولين أصحُّ وأبعد من كل ما يَرِدُ على تأويلات المرجئة.
والإرجاء عند أهل السنة: بدعةٌ مذمومة لما فيه من مخالفة السنن الصحيحة، وإن كانت الأحاديت الواردة في ذم المرجئة غير صحيحة عند أئمة الأثر، كما أوضحتُه في الكلام على مسألة القدر، وقد اشتد خوفُ الصحابة من الله مع صحة إيمانهم وسماعهم للمبشرات بغير واسطةٍ، وقرب عهدهم، وأخبارهم في ذلك معلومةٌ في تراجمهم، والله أعلم.
ولا بد من ذكر ما أوجب ترجيح أكثر علماء الإسلام لقبول آيات الرجاء، وأخباره المتواترة بذكر ما حضرني منها مع بُعدي من لقاء علماء هذه الطائفة،
¬__________
= فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذابٍ" ...... فقام عُكاشة بن مِحْصَن فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: " أنت منهم "، ثم قام رجل آخر، فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: " سَبَقَكَ بها عُكّاشة ". أخرجه البخاري (6541)، ومسلم (220). وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (6430).
وأخرجه أيضاً (6431) من حديث ابن مسعود.
(¬1) أخرجه من حديث جابر مسلم (2195) ولفظه: أن عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله، إنه ليدخُلُ حاطب النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كذبتَ، إنه لا يدخُلُها، إنه شهد بدراً والحديبية ". وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (4799) و (7120).

الصفحة 14