كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

المؤمنين، وباب مدينة العلم، وإمام الراسخين، ولا كانت عند ابن عباس المُسَمَّى بالبحر والحَبْرِ خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، ولا فرَّقَ عبدُ الله بن عمر وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حال أهل الكبائر قبل نزولها وبعده، وإنما ذكر الصحابة معه لأنه قال: كنا، وهذه العبارة تقتضي رواية إجماع الصحابة عند أهل العلم، وقد روى الزمخشري من هذه الآثار الثلاثة أثر ابن عباس فإن كان باطلاً، فما ينبغي له أن يرويه، ويسكُتَ عنه في كتابٍ سماه تفسيراً لكلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه فلا يَحِلُّ لأحدٍ أن يُدْخِلَ في تفسيره شيئاً من الباطل، وإن كان حقَّاً، لَزِمَه ألاَّ يخالفَ معناه ومفهومه بالتأويلات المتعسَّفة، والتمحُّلات المُتَكَلَّفة، وما أشد مراء في ادعى أن هذه الآية لا تدل على التفرقة بين الشرك وما دونه ولا تخص الشرك بشيءٍ من التغليظ، ولا يُفْهَمُ منها أن ما دونه يختص بنوعٍ من التخفيف، وقد أردف الله تعالى هاتين الآيتين معاً بما يدلُّ على ما ذكرته، فقال عقيب الأولى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقال عقيب الثانية: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]، وهذا يضطرُّ العاقل مع النصِّ المُكَرَّرِ فيهما المؤكد أن المرادَ بالفرق بين الشرك وما دونه، وأن الشركَ لكونه أغلظ مما دونه وأقبح وأفحش وأنكر، استحق زيادة تغليظٍ في العقوبة، والتشديد في الوعيد، والامتياز في الحكم المُغَلَّظِ في الدنيا والآخرة.
وكيف يَصَحُّ في الأذهانِ شيءٌ ... متى احتاج النهارُ إلى دليلِ (¬1)
ولكن القصد التقرب إلى الله بتفهيم من أضرب عن تأمُّلِ (¬2) الجَليَّات وتذكير من غَفَلَ عن الضروريات.
الوجة الثاني: أن توجيه النفي إلى قوله: {لمن يشاء}، يُفْسِدُ المعنى، لأن أهل البلاغة لا يقولون في من يعفو عن بعض المذنبين دون بعض على
¬__________
(¬1) هو للمتنبي ديوانه 3/ 92 بشرح العكبري.
(¬2) في (ش): " عن من تأمل ".

الصفحة 170