كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

حسب مشيئته وحكمته: إنه لا يغفر لمن يشاء بالنفي، بل يقولون: إنه يغفرُ لمن يشاء، لأن الإثبات يُعطي هذا المعنى على أوضح ما يكون، فإذا أدخلت حرف النفي على هذا المعنى الصحيح البَيِّن، عَمَّاه، وغيَّره، وأوهم بمفهومه أنه لا يغفر لمن يشاء بالنفي، لكن (¬1) يغفر لمن لا يشاء، ولا يغفر لمن لا يشاء إلا المكرَهُ غير المختار، لأن حرف النفي إن دخل لغير فائدةٍ لم يكن كلام حكيم، ولا كلام فصيحٍ، وأقلُّ أحوال القرآن أنه كلامٌ بليغٌ، وإن كان حرف النفي دخل لفائدة، فلا تكون فائدته إلاَّ بتغيير المعنى الذي كان مفهوماً قبل دخوله، لأنه موضوعٌ لنفي ما دخل عليه، وقد كان المعنى قبله أن له المشيئة في المغفرة، فلما دخل نَفَى ما دخل عليه كما هو موضوعٌ لذلك، فصار المعنى أنه لا مشيئة له في المغفرة ولا اختيار، وهذا نقيض معنى الآية، ونقيض المعلوم ضرورةً من الدين، ومن إجماع المسلمين.
الوجة الثالث: أن أهل علم العربية -الذي هو أحدُ أئمته- قد ضعَّفوا مثل هذا فيما كان عمدةً من الكلام، والعمدة عندهم ما لا يَتِمُّ الكلام إلاَّ به، ومَثَّلُوا ذلك الذي ضَعَّفُوه، واسْتَرَكُّوْه بقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأيُ مختلفُ (¬2)
أي: نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راضٍ.
قالوا: والوجه في ضعفه أنهم حذفوه في الأول ولم تَتَقَدَّمْهُ قرينةٌ تدل على
¬__________
(¬1) في (ف): " بل ".
(¬2) البيت منسوب إلى قيس بن الخطيم في " الكتاب " 1/ 75، و" معاهد التنصيص " 1/ 189، و" شواهد العيني " 1/ 557، وهو في ديوانه ص 173 ونسبه القرشي في " الجمهرة " ص 13، وابن منظور في " اللسان " (فجر)، والبغدادي في " الخزانة " 4/ 283 إلى عمرو بن امرىء القيس الخزرجي، وهو في " ديوان حسان " ص 337 منسوب إلى عمرو.
ونسبه صاحب " الإنصاف " إلى درهم بن زيد الأنصاري.
وهو غير منسوب في " المقتضب " 3/ 112 و4/ 73، و" أمالي ابن الشجري " 1/ 296 و310.

الصفحة 171