كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

في القرآن من الحق المحفوظ، فلذلك يجب على من يتقي الله مراعاةُ قواعد العلم الصحيحة في التأويل وعدمُ الحَيْفِ فيه، ولو صح له مثلُ هذا في رَدِّ مذهب السنة صح للخوارج مثله في رد مذهب المعتزلة، فكانوا يقولون: إن معنى قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} [النساء: 31]، أي: بالتوبة، لقوله تعالى: {ومن يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يره} [الزلزلة: 8]، وقوله: {من يعمل سوءاً يُجْزَ به} [النساء: 123]، ولا يُغفر لمتعمدٍ خاصة، وهو يروي: " لا صغيرةَ مع الإِصرار " (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أحوطُ وأنسبُ لسُنة التشديد والتغليظ التي اختارها الزمخشريُّ وادعى أنها سنةُ الله.
والعجب منه كيف يروي هذا الحديث ولا يُضَعِّفُه ولا يتأوَّلُه وهو يصادمُ (¬2) مذهبهم في مغفرة (¬3) الصغيرة، فدعوى صحة التأويل بغير دليل ليس أمراً مقصوراً على أحدٍ، وليته نقلَ فِرارَهُ من التقدير بغير قرينة من قوله تعالى: {أمرنا مُتْرَفيها} [الإسراء: 16] إلى هذه الآية، فإنه بالغ في تلك أنَّ معناها: أمرناهم بالفِسْقِ مجازاً (¬4) ليطابق قوله: {ففسقوا فيها} لأن المذكور بزعمه يدلُّ على المحذوف كقوله: أمرتُه فصام، فبالغ هناك في منع ما لا يدل دليلٌ على تقديره، وقدَّرَ هنا تقديرين ما دل على تقدير واحدٍ منهما شيءٌ مع تغييرهما للكلام على أنه
¬__________
(¬1) خبر منكر قاله الذهبي في " الميزان " 4/ 537، وذكره السخاوي في " المقاصد " ص 467، فقال: رواه أبو الشيخ والديلمي والعسكري في " الأمثال " من حديث ابن عباس مرفوعاً بسند ضعيف، ومثله موقوفاً عند ابن المنذر في " تفسيره "، والبيهقي في " الشعب ". وله شاهد عند البغوي والديلمي من حديث أنس مرفوعاً، ورواه إسحاق بن بشر أبو حذيفة في " المبتدأ " من حديث عائشة، وإسحاق حديثه منكر، ورواه الطبراني في " مسند الشاميين " من حديث أبي هريرة، وفي إسناده بشر بن عبيد الدارسي وهو متروك، ورواه الثعلبي وابن شاهين في " الترغيب " بإسناد آخر عنه.
(¬2) في (ف): " يخالف ".
(¬3) تحرفت في (ش) إلى: " معرفة ".
(¬4) " الكشاف " 2/ 354.

الصفحة 173