كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

الوجه الثالث: أنه لا يَحْصُلُ الأمان المقتضي للمفسدة من القول بقبولِ التوبة، فإن الخوف مع التوبة باقٍ، والخواتم والسوابق مجهولةٌ ولذلك قيل:
يَخَافُ على نفسه من يَتُوبُ ... فَكَيْفَ يُرَى حَالُ من لا يتوبُ
وهذا إجماعٌ على قواعد المرجئة، بل القنوط أدعى إلى ارتكاب الكبائر، كما صح في حديث الذي قتل تسعة وتسعين (¬1) كما يأتي في بقية الحُجج على ابن عباس رضي الله عنه.
الوجه الرابع: أن الله تعالى وإن نصَّ على أن جهنم جزاء القاتل، فإنَّ رحمته سابقةٌ غالبةٌ لغضبه، واسعةٌ لجميع المذنبين من خلقه، كما نصَّ على ذلك القرآن والسنة، ومن رحمته قبولُ توبة التائبين، وقد قال تعالى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156] وقال تعالى حاكياً عن الملائكة إنهم قالوا: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَك} [غافر: 7] ففرّق سبحانه في الآيتين بين سعة رحمته وكتابتها، فجعل سعتها عامةً لِكُلِّ شيءٍ على حدِّ عمومه لكل شيء، وجعل كتابتها التي هي وجوبها خاصةً (¬2) بالمؤمنين والتائبين الذين كلامنا فيهم، فلو خَرَجَ القاتل التائب من خصوص من كُتِبَتْ له الرحمة ما خرج من عموم من وَسِعَتْهُ، والدليل على أن سعتها غير كتابتها وجوه:
الأول: أنه الظاهر لغة.
الثاني: أنه جعل السَّعَة لكل شيء في الآيتين (¬3) معاً، وجعلها مثل سعة العلم الذي لا أوسع منه، فلا يخرج منه شيءٌ قطعاً، وجعل الكتابة خاصَّةً بالمؤمنين، والدعاء خاصّاً بهم.
الثالث: أنه لو لم تَسَعْ ذنبَ الكفر والقتل، لم يَهْدِ كافراً، ولا قاتلاً إلى
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه في 1/ 219 و314.
(¬2) في (ف): " خاصاً ".
(¬3) في (ف): " الاثنين ".

الصفحة 25