كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وفي الأحاديث الحِسان أن الموت كفارةٌ لكل مسلم، وبالإجماع أن المسلم يُثابُ على ألمِ الموت بخلاف الكافر، فكذلك أحوال الآخرة، ويدل على صحة ذلك وجهان:
الوجه الأول: ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث النَّجوى، وهي المسارَّةُ في حساب المؤمن حتى لا يُعْلِمَ أحداً ما بينه وبين ربِّه ستراً عليه، حتى لا ... (¬1)، وذلك ما رواه البخاري في مواضع كثيرة من طرقٍ جمَّةٍ، ومسلمٌ والنسائي وابن ماجة، وغيرهم من أهل المسانيد، عن صفوان بن مُحرزٍ المازني قال: بينما أنا (¬2) أمشي مع ابن عمر آخذاً بيدي، إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النجوى؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الله يُدني المؤمن، فيضعُ عليه كنفه وسِتْره " -وفي رواية: يستره- فيقول: أتعرفُ ذنب كذا، أتعرفُ ذنبَ كذا، فيقول: نعم أيْ ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين ". هذا لفظ البخاري في كتاب المظالم، وله ولمسلم: " فينادى على رؤوس الأشهاد "، وفي رواية: " الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربِّهم، ألا لعنة الله على الظالمين "، ولفظ مسلم في كتاب التوبة: " وأما الكفار والمنافقون، فيُنادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله ".
وهذا حديثٌ جليل دالٌّ على تخصيص الكافرين والمنافقين بالخزي والسوء يوم القيامة، كما دَلَّ عليه (¬3) القرآن.
رواه البخاري في المظالم: عن موسى بن إسماعيل، عن همام، وفي التفسير: عن مسدِّدٍ، عن يزيد بن زُريع، عن سعيد، وهشام، وفي الأدب وفي
¬__________
(¬1) بياض في الأصول.
(¬2) " أنا " ساقطة من (ش).
(¬3) في (ف): " على ذلك ".

الصفحة 293