كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)
ويعضُدُه حديث عائشة، قال ابن أبي مُليكة: كانت عائشة لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلاَّ (¬1) راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نُوقِشَ الحساب عُذِّبَ ". قالت: فقلتُ: أليس الله يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 - 9]، فقال: " إنما ذلك العرض، وليس أحدٌ يحاسَبُ يوم القيامة إلاَّ هلك ". وفي رواية: " وليس أحدٌ يُناقَشُ الحساب يوم القيامة إلاَّ عُذِّبَ ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي (¬2)، وذكره ابن الأثير، وحديث ابن عمر الذي في النجوى في الباب الثاني من كتاب القيامة من حرف القاف في " جامع الأصول " (¬3).
وهذه سنة الله في الدنيا والآخرة، وربُّ الدَّارَيْنِ واحدٌ، وحكمتُه فيهما (¬4) متشابهةٌ، ألا تراه يقول في قتال الكفار في الدنيا: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين} [التوبة: 14]، فذكر خِزيَهم في الدنيا، وأنه مقصودٌ له.
وأما من يستحق القتال من بُغاة المسلمين، فقال فيهم: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: 9 - 10]، فسمى الباغي والمبغيَّ عليه أخَوَيْنِ للمؤمنين بعد وقوع البغي من الباغي.
وكذلك ورد في حديث القصاص يوم القيامة: " من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه، فليستحلِلْهُ منها قبل أن يُؤخَذَ لأخيه من حسناته، فإن لم تكن له حسناتٌ، أُخِذَ من سيئات أخيه، فطُرِحَتْ عليه ". رواه البخاري (¬5) في باب
¬__________
(¬1) في (ف): " حتى ".
(¬2) تقدم تخريجه في الجزء الخامس.
(¬3) 10/ 432 و456.
(¬4) " فيهما " ساقطة من (ف).
(¬5) (6534)، وانظر " صحيح ابن حبان " (7361) و (7362).