كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وكذلك روى البخاري في " الحدود " عن أبي هريرة أنه أُتِيَ برجُلٍ جُلِدَ في الخمر، فلما انصرف، قال رجلٌ: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تكونوا أعوان الشيطان على أخيكم " زاد أحمد: " وقولوا يرحمه الله " (¬1).
وروي عن عمر بن الخطاب أيضاً أن رجلاً كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقَّبُ حماراً، وكان يُضحِكُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتِيَ به يوماً، فأُمِرَ به فجُلِدَ، فقال رجلٌ من القوم: " اللهم العَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تلعنوه فوالله ما علمت إلاَّ أنه يحب الله ورسوله " (¬2). انتهى.
وفيه حجةٌ على أن متابعة الرسول في الإسلام دِلالةُ المحبة، وإن لم تكمل، كما في قوله تعالى: {إن كنتم تحبُّون الله فاتبعوني يُحبِبْكُمُ الله} [آل عمران: 31].
وثبت في " الصحيحين " وغيرهما أنه قال عليه السلام: " إذا زنت الأمة، فتبيَّن زناها، فليجلِدْها، ولا يعيّرها، ولا يثرِّب عليها " (¬3)، كما تقدم، بل جاء في كتاب الله عن نبي الله يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم أنه قال لإخوته بعد القدرة عليهم واعترافهم: {لا تثريب عليكم اليوم} ثم قال مستغفراً لهم: {يغفر الله لكم وهو أرحمُ الراحمين} [يوسف: 92]، فجرت سنةُ الله وسنة خير خلقه في الدارين بعدم الخزي والإهانة لمن أُرِيدَ له المغفرة والكرامة في عاقبة أمره.
وكذلك أمرَ الله بالسَّتر على المسلم في الدنيا.
وفي " صحيح مسلم " (¬4)، عن أبي هريرة، عنه - صلى الله عليه وسلم -: " من سَتَرَ مسلماًَ، ستره الله في الدنيا والآخرة ".
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه ص 236 من هذا الجزء.
(¬2) تقدم ص 235.
(¬3) تقدم تخريجه.
(¬4) برقم (2699)، وأخرجه أيضاً أبو داود (4946)، والترمذي (1425)، وابن ماجه (225)، وأحمد 2/ 252، وابن حبان (534).

الصفحة 297