كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)
وقال تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].
وروى السيد أبو طالب في " أماليه "، والحاكم في " المستدرك "، وأبو داود، والترمذي من حديث أنسٍ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في هذه الآية: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}، " قال الله تعالى: أنا أهلٌ أن أُتَّقَى، فمنِ اتَّقاني، فلم يَجْعَلْ معيَ إلهاً، فأنا أهلٌ أن أغفرَ له " (¬1).
ومما يدلُّ على ذلك أن الله تعالى قد أضاف التقوى إلى القلوب، لاختصاصها بالقلوب، فقال: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الحجرات: 3]، والقلوبُ ليس فيها شيءٌ من أعمال الجوارح الظاهرة، وإنما فيها تقوى الشِّرك، وتقوى الرياء بتصحيح النية، وإخلاص التوحيد، والعمل لله تعالى.
ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحقرنَّ أحدُكم أخاه، ها هنا التقوى، ها هنا
التقوى ". ثلاثاً، ويشير إلى صدره. رواه مسلم (¬2) من حديث أبي هريرة، وإنما كرَّر ذلك للتأكيد، وإنما أكَّده، لعدم اعتبار الأكثرين بذلك، وقد عقَّب ذلك على قوله: " لا يحقرنَّ أحدكم أخاه " لما تقرَّر أن الكرم: التقوى، فخافَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرى المؤمنُ المجتهدُ من هو دُونه في عملِ الظاهر، فيزدريه، ويظنّ أن ما كان في الباطن لزم ظهورهُ، فأوضحَ بهذا عظيمَ التفاوت في الباطن الذي
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذي (3328)، وقال: حسن غريب!، وصححه الحاكم 2/ 508، ووافقه الذهبي!. ولم يخرجه أبو داود كما ذكر المصنف رحمه الله. وأخرجه أحمد 3/ 142 و243، وابن ماجه (4299)، والنسائي في التفسير من " السنن الكبرى "، وأبو يعلى (3317)، والبغوي في " معالم التنزيل " 4/ 420، والعقيلي في " الضعفاء " 2/ 154، وابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " 4/ 476 - 477، كلهم من طريق سهيل القُطعي، عن ثابت، عن أنس. وسهيل ضعيف الحديث.
(¬2) برقم (2564)، والحديث بتمامه: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا -عباد الله- إخواناً. المسلم أخو المسلم، =