كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

في القتل بخصوصه من حديث بريدة أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن هذا قتل أخي، قال: " اذهب فاقتله كما قتل أخاك "، فقال له الرجل: اتق الله واعفُ عني، فإنه أعظم لأجرك، وخيرٌ لك ولأخيك يوم القيامة، قال: فخلَّى عنه، فأُخْبِرَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله، فأخبره بما قال له، قال: فأعتَقَه، فقال: " أما إنه كان خيراً مما هو صانعٌ بك يوم القيامة، يقول: يا ربِّ سَلْ هذا فِيم قتلني " ذكره ابن الأثير في الفصل الرابع في العفو من كتاب القتل من حرف القاف من " الجامع " (¬1) وهو يدل على أن من قُتلَ قِصاصاً كان ناجياً يوم القيامة فهو بالقصاص (¬2) بالقتل مثل حديث قتادة في الحدود على العموم والحمد لله.
الحجة الثامنة: حديث جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجر الذي مَرِضَ فجَزِعَ فقَطَعَ براجِمَه فمات، فرآه الطفيل بن عمرو في الجنة مُغَطِّياً يديه، وقال: إن الله غفر له بهجرته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: فما بالك (¬3) مغطياً يديك قال: قال الله لي: أما ما أفسدت من نفسك، فلَنْ نُصْلِحَه، فقَصَّها الطفيل على رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وَلِيَدَيْهِ فاغفر " رواه مسلم (¬4).
ويعضُده قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]، وقاتل نفسه كقاتل غيره في الإثم (¬5) وفيه الأحاديث الصحاح مثل حديث: " من قَتَلَ نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يجأ بها بطنه في النار خالداًَ مخلداً " (¬6).
الحجة التاسعة: ما ورد مما يدلُّ على استحباب العفو عنه وتأكيد ذلك حتى روى النسائي (¬7)، من حديث أنس، أن رجلاً أتى بقاتل وَليِّه رسول الله، فقال
¬__________
(¬1) 10/ 275. هو في كتاب القصاص، وليس في القتل كما ذكر المؤلف.
(¬2) في (ف): " في القصاص ".
(¬3) في (د) و (ف): " فمالك ".
(¬4) رقم 116. وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (3017).
(¬5) في (ش): " بالإثم ".
(¬6) تقدم تخريجه.
(¬7) 8/ 17.

الصفحة 38