كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

الحديث الرابع والعشرون: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سُئِلَ عن عِلمٍ يعلمُه وكتمَهُ أُلْجِمَ بِلجامٍ من نارٍ ". رواه أبو داود والترمذي واللفظ له (¬1).
وذكر بعض أهل العلم أن هذا الوعيد على كَتْمِ ما يعلمه من كتاب الله وسُنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما مذهبه فيما رواه، فليس من العلم في شيءٍ، فقد يترتب على ذكر مذهبه مفسدَةٌ وخوفُ مضرَّةٍ، فيجوز له ترك حكاية ذلك، ويروي الحديث كما سمع، والله أعلم.
الحديث الخامس والعشرون. عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لأرى ما لا تَرَوْنَ، وأسمعُ ما لا تسمعون، أطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لها أن تئطَّ، ما فيها موضعُ أربعِ أصابعٍ إلاَّ وفيها مَلَكٌ واضِعٌ جبهته لله ساجداً، والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُم قليلاً، ولبَكيتُم كثيراً، وما تلذَّذْتُم بالنِّساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرُون إلى الله، ولودِدْتُ إنِّي شجرةٌ تُعْضَدُ ".
ويروى عن أبي ذر موقوفاً. رواه الترمذي وأحمد، قال الترمذي: حديث غريب (¬2) وفي الصحيح له شاهدٌ يأتي الآن عن أبي هريرة.
قلت: هذا حديثٌ صحيح المعنى، فإن كليم الله موسى عليه السلام خرَّ صَعِقاً من اندكاك الطُّور، مع قوَّةِ حاله مع الله، فكيف سائرُ المؤمنين لو كُشف لهم ما كُشِفَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خوارِقِ المَلَكُوتِ الباهرة التي تتلاشى عند بعضِها القُوى البشريَّة؟ ولو أن الإنسان رأى غيرَه يُعَذَّبُ العذاب الأكبر، ما احتمل رؤية عذاب غيره.
يُوَضِّحُه الحديث السادس والعشرون: قالت عائشة: ما رأيتُ رسول الله
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وأخرجه أيضاً أحمد 2/ 363، وابن ماجه (261)، وصححه ابن حبان (95)، والحاكم 1/ 101، ووافقه الذهبي.
(¬2) رواه أحمد 5/ 173، والترمذي (2312)، وابن ماجه (4190)، وحسنه الترمذي، مع أن فيه إبراهيم بن المهاجر، وهو لين الحديث!

الصفحة 395