كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)
ساجداً، وعلمتُ أنه قد جاء فرجٌ، فآذنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بتوبةِ الله علينا حينَ صلَّى صلاة الفجر، فذهبَ النَّاسُ يبَشِّرُونَنا، فذهبَ قِبَل صاحبي مبشِّرُونَ، وركضَ رجلٌ إليَّ فرساً، وسعى ساعٍ مِنْ أسلمَ قِبَلي، وأوفى على الجبل، فكان الصَّوتُ أسرعَ مِنَ الفرس، فلمَّا جاءني الذي سمعتُ صوتَه يُبَشِّرُني، نزعت ثوبيَّ، فكسوتُهما إيَّاه ببِشارَتِه، والله ما أملِكُ غيرَهُما يومئذٍ، واستعرتُ ثوبين، فلبستُهما، وانطلقتُ أتأمَّمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلقَّاني النَّاسُ فوجاً فوجاً، يهنِّئُونَني بالتوبة، ويقولون: لِتَهْنِئْكَ توبةُ الله عليك، حتَّى دخلتُ المسجد، فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حولَه الناسُ، فقام طلحةُ بن عبيد الله يُهروِلُ حتَّى صافحني وهنَّأني، والله ما قامَ رجلٌ من المهاجرين غيره، فكان كعبٌ لا ينساها لطلحة قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يَبْرُقُ وجهُه من السُّرور: " أبشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذُ ولدتك أمُّك ". فقلت: أمِنْ عِنْدِكَ يا رسول الله، أم مِنْ عندِ الله؟ قال: " لا بَلْ مِنْ عندِ الله ". وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ، استنارَ وجهُه حتى كأنَّ وجهَه قطعةُ قمرٍ، وكُنَّا نعرِفُ ذلك، فلمَّا جلستُ بين يديه، قلتُ: يا رسول الله، إنَّ مِنْ توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسُولِه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أمسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ، فهو خيرٌ لك "، فقلت: إنِّي أُمسِكُ سهميَ الذي بخيبرَ، وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصِّدق، وإنَّ مِنْ توبتي أن لا أُحَدِّثَ إلاَّ صدقاً ما بقيتُ، فوالله ما علمتُ أحداً من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذُ ذكرتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ ممَّا أبلاني الله. والله ما تعمَّدتُ كَذبةً منذُ قلتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجُو أن يحفَظَني الله تعالى فيما بَقِيَ. قال: فأنزلَ الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ .... } حتى بلغ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} [التوبة: 117 - 119].
قال كعبٌ: واللهِ ما أنعمَ الله عليَّ مِنْ نعمةٍ قطُّ بعدَ إذ هداني الله للإسلامِ
الصفحة 402
408