كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

غيرها وقدرته سبحانه على ما هو خيرٌ منه لما فيه من نسبة (¬1) الخُلْفِ المذموم، فهو غنيٌّ عنه بخيرٍ منه، ولأن الله تعالى يختار من كل شيءٍ حسنٍ أحسنه فهو كما قال: {ما يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ} [ق: 29]، وإنما يقع في كلام الله تعالى التأويل لا الخلف، كالضرب بالضِّغثِ في قصة أيوب، وكما صح فيمن مات له وِلْدانٌ أنها لا تمسُّه النار إلاَّ تَحِلَّةَ القسم (¬2)، وهذه الآية تشهد لصحة هذا الحديث من حيث التأويل، وكما صح قصرُ كثيرٍ من العمومات على أسبابها، كما صح في ذَمِّ {الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188] أنها نزلت في اليهود أو في المنافقين (¬3)، وأن المؤمن من سرَّته حسنتُه وساءته سيئتُه (¬4) ولم يكن ذلك ردّاً لكتاب الله، وكما صح تخصيص: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] بغير أهل الصغائر، وما تعارض، ولم يتضح الخاصُّ فيه، وجب الوقف فيه، وإذا كان التخصيص والتفسير ليس من التكذيب في شيء فما بال المعتزلي يعترض السني في تخصيص القرآن بالقرآن وبالأخبار،
¬__________
(¬1) في (أ) و (ف): " شبه ".
(¬2) أخرج مالك في " الموطأ " 1/ 235، والبخاري (1251)، ومسلم (2632) من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فتمسَّه النارُ إلاَّ تَحِلَّةَ القسم ". وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (2942). وقد تقدم في 8/ 420.
(¬3) أخرجه البخاري (4568)، ومسلم (2778)، والترمذي (3014) وفيه: " فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ".
وأخرجه البخاري (4567)، ومسلم (2777) من حديث أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو، تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قَدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، اعتذروا إليه، وحلفوا، وأحَبُّوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَاب}.
(¬4) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (2165)، وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (4576).

الصفحة 47