كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وينسبه إلى التأتيم المقطوع به؟
وقالت المرجئة وكثيرٌ من أهل السنة: إن قوله تعالى: {ما يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ} [ق: 29] نزل في الكفار المشركين كقوله تعالى قبلها: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 24 - 29] فالخصومة هنا بين المشركين وقرنائهم من الشياطين، وذلك بيّن، وقد ثبت أن تعدية الآيات عن أسبابها ظني، ولكنه قد يقوى (¬1) ويضعف على حسب الدلائل المنفصلة من القرائن المرجحة، والتعدية هنا لا تقوى لوجهين:
أحدهما: النصوص الصحاح "أن الله تعالى يقول: الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة بمثلها أو أعفو" (¬2) متفق على صحة هذا المعنى من حديث ابن عباس، ومن حديث أبي سعيد وأحسبه لمسلم عن أبي ذر، وفي مسند أحمد وغيره عن أبي رزين العقيلي، واسمه لقيط بن عامر، والجمع بين الآية والأحبار يقتضي أن الآية في الكافرين الذين نزلت فيهم، وأن الأخبار فيمن (¬3) عداهم، والجمع أولى من الطرح ويؤيِّده.
الوجه الثاني: وهو أن القرآن قد دلَّ على حسن التبديل بالقول إلى أحسن منه كما قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، والنسخ في معنى التبديل أو هو أشدُّ لقوله (¬4) {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَة} [النحل: 101] ويعضُدُهُ النص والإجماع على أن من حَلَفَ على شيءٍ ٍفرأى غيره خيراً منه، فليأت الذي هو خير، وما تقدم في أول هذه المسألة من ذكرِ فداء
¬__________
(¬1) في (ش): " يترك "، وهو خطأ.
(¬2) تقدم تخريجه ص 44.
(¬3) في الأصول: " فيما "، وكتب فوقها في (ف): " فيمن ".
(¬4) في (د) و (ش): " بقوله ".

الصفحة 48