كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وأعَدَّ لهم جَهَنَّم وساءَتْ مصيراً} [الفتح: 6] وهذا يشبه (¬1) بوعيد القاتل، فكما أنه شرط المشيئة في وعيد (¬2) المنافقين في آية، وأطلقه في آية أخرى، جاز مثلُ ذلك في آية القتل، وإن كانت التوبة المشروطة للمنافقين قبل الموت فالمسوغُ تخصيص العموم تخصيصاً منفصلاً من غير إشعار بذلك متقدم، والمقصودُ هنا من الآيتين الكريمتين مشابهة الأحاديث الصحاح في شرط المشيئة في وعيد العصاة دون وعد المؤمنين، لكن شرط المشيئة مؤثرٌ في وعيد عصاة المسلمين مطلقاً في الدنيا والآخرة، وعليه دَلَّت النصوص في وعيد عُصاة الكفار في الدنيا فقط، لمنع الإجماع والنصوص من الرجاء في الآخرة المعفوّ عنهم، وقوله تعالى في [هود: 107]: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد}، وفي [الأنعام: 128]: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم} وجائزٌ أن يرجع الاستثناء إلى بعض من توعد بالخلود من الموحدين إن صح وعيدُ أحدٍ منهم به.
فإن قيل: فقد وَرَدَ الاستثناء في أهل الجنة ولا خلاف في خلودِ جميع أهلها حتى من دخلها بغير عمل كالأطفال.
قلنا: قد دلَّت الأخبار التي ذكرناها على (¬3) أن الاستثناء في الخير للزيادة (¬4) وفي الشرِّ للنقصان، ويشهَدُ له من كتاب الله: {ولدينا مزيدٌ} [ق: 35]، {ويزيدهم من فضله} [النور: 38]، {للذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26] ونحوه، ولذلك أشار الله تعالى إلى هذا في آية الاستثناء بنفسها فقال بعد الاستثناء من خلود النار: {إن ربَّك فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ} [الأنعام: 128].
وقال بعد الجنة: {عطاءً غَيرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] أي: غير مقطوع، والعقل يعضُدُ ذلك، وهذا مُنَزَّلٌ على ما ذكرنا من أن الوعيد أو كثيراً منه خَرَجَ مَخْرَجَ
¬__________
(¬1) في (ف): " مشبه ".
(¬2) في (ف): " بوعيد ".
(¬3) في الأصول: " إلى "، وفوقها في (ف): " على ".
(¬4) في (د) و (ش): " للخير في الزيادة ".

الصفحة 51