كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

لاحتمال لفظها ولو تجويزاً مرجوحاً، فإن التجويز البعيد المرجوح يمنع من القطع.
الدليل الثاني: سلَّمنا أنه خبر محض عن العاقبة لا يحتمل الشرطية قطعاً، لكنه عام محض بالنظر إلى القاتل الكافر والقاتل المسلم، والعموم يجوز أن يُراد به بعض ما يدل عليه لدليل ولو منفصلاً، وإن كان خبراً محضاً، كما جاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم} [آل عمران: 173]، فإن الذي قال: {مِنَ النَّاسِ} نعيم بن مسعود الأشجعي والذي جمع من الناس هو أبو سفيان بن حرب (¬1)، وقد سمع الآية من لم يعرف هذا.
وقد قال الله تعالى في سورة [الذاريات: 41 - 42]: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم}، وقال في: [الحاقة: 8] فيهم: {فهل ترى لهم من باقيةٍ}، وهذا عموم خبري لا يتخصص بالعقل، والذى يسمعه يعتقد ظاهره حتى يسمع قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين} [الأحقاف: 25] بعد أن قال فيها: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} فدلَّ قوله: {إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} على أن الريح ما دمَّرَتْهُمْ، وأنها مخرجةٌ من تلك العمومات الخبرية المحضة.
وقال تعالى في [سوره القمر: 33 - 34]. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}، ولم يستثن في هذه الآية ولا في
¬__________
(¬1) نسب هذا القول ابن الجوزي في " زاد المسير " 1/ 504 إلى مجاهد وعكرمة ومقاتل في آخرين.
وثمة قول آخر ذكره ابن إسحاق كما في " السيرة " 3/ 128، ونقله عنه الطبري في " تفسيره " (8244): {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل}، و" الناس " الذين قالوا لهم ما قالوا: النفر من عبد القيس الذين قال لهم أبو سفيان ما قال: إن أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم، يقول الله عز وجل: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء}.

الصفحة 53