كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

السورة امرأة لوط من آلهِ الذين أخبر بنجاتهم مع دخولها فيهم لُغةً، ولذلك استثناها في غير موضع، والعقل هنا لا يخصُّها أيضاً، فدلَّ على جواز التخصيص في الأخبار المحضة بالدليل المنفصل، وذلك يمنع القطع عند سماع العموم، لأن القطع (¬1) لا ينتقض، فمن سمع آية سورة القمر قبل سماع الاستثناء، لم يُفدْه القطعُ بقبح الاستثناء في غيرها، وأمثال هذا كثيرٌ في كتاب الله تعالى.
ولذلك أجمع العلماء على جواز تخصيص العموم، وأنه ليس من التكذيب في شيءٍ، حتَّى قال بعضهم: إن العموم مشتركٌ بين العموم والخصوص، وإنه يُطلقُ عليهما معاً على جهة الحقيقة دون المجاز لكثرة وقوعه، وهذا العموم الذي لم يخصص ولا نزل على سبب، أما العموم المخصص ففيه الخلاف المتقدم، لأنه قد عُلِمَ أن ظاهره لم يُرَدْ به، وقد أقرَّت المعتزلة أن هذه الآية مخصوصة بما قدمنا ذكره من القاتل غير المتعدي في القصاص والحدود للمؤمن التائب، ويخص أيضاً بقتل الباغي والمدفوع، لأن المؤمن المُحَرَّمَ قتلُه هو المصدَّق لا العدل عند الجميع، كما سيأتي بيانه، وكذلك هي مما نزلت على سبب مخصوص كما سيأتي.
فإن قيل: إنها نص (¬2) في القتل.
قلنا: صحيح، لكنها عامةٌ في القاتلين غير نصٍّ في كل منهم، ولا يلزم أن يكون نصاً في كل قاتل كما أجمعنا عليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه} [النساء: 48 و116] فإنها (¬3) نصٌّ في الشرك لا في كل مشركٍ، فقد أجمعنا على تخصيصها بالإسلام بعد الشرك، بل كما خَصَّتِ المعتزلة من آية القتل: التائب، وقاتل المؤمن في القِصاص والحد، ومن أسلم بعد القتل، ولم يمنع من ذلك كونها نصاً في القتل، كذلك لا يمنع كونها نصاً فيه وجود
¬__________
(¬1) في (ف): " دلالة القطع ".
(¬2) في (ف): " هي سبب ".
(¬3) في (ف): " أنها ".

الصفحة 54