كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وأما المعتزلة، فقال الزمخشري (¬1): إن المعنى: من يعمل من أهل الشر مثقال ذرة شراً يره، ومن يعمل من أهل الخير مثقال ذرة خيراً يره. فلم يمنعِ النص على الصغر من التأويل لذلك النص على بعضه (¬2)، هذا هو التخصيص، وعلى الجملة كلما صحَّ من المتكلم أن يستثنيه استثناءاً متصلاً، صح أن يخُصَّه خصوصاً منفصلاً بالإجماع، إلا أن بعضهم يُسميه نسخاً، والأكثر على تسميته تخصيصاً، أي: بياناً لمراده الأول، لا رجوعاً عنه ولا تبديلاً.
فإن قيل: إن وعيد الآية خاصٌّ بالقاتل المؤمن.
فالجواب: أن ذلك ممنوعٌ لوجوه:
الأول: عموم لفظ " مَنْ " وهو المعتمد، وقد اختاره الزمخشري في " كشافه " (¬3) فإنها من ألفاظ العموم، ولذلك يحتج بها الخصوم في نحو: {ومن يعصِ الله ورسوله}.
الثاني: أن إخراج الكافر القاتل من الوعيد لكونه زاد الكفر على القتل عناد، وداعٍ إلى الزيادة في الفساد، وعكس للمعروف في دليل الفحوى عند أهل العلم، فإن المعروف أنها لو نزلت في حقِّ المؤمن، لكان الكافر أولى بها، كما أن التأفُّف لما حُرَّمَ كان ما فوقه من العقوق أولى بخلاف العكس، ولذلك كان القطع على سرقةِ عشرة دراهم دليلاً على القطع فيما فوقها، لا فيما دونها.
الثالث: إنها نزلت على سبب قتل كافرٍ لمؤمن فيما رواه أهل التفسير. قال الواحدي في " أسباب النزول " (¬4)، قال الكلبي عن أبي صالحٍ، عن ابن عباس
¬__________
(¬1) نصه في " الكشاف " 4/ 228: المعنى فمن يعمل مثقال ذرة خيراً من فريق السعداء، ومن يعمل مثقال ذرة شراً من فريق الأشقياء.
(¬2) في (ف): " لبعضه ".
(¬3) 1/ 291.
(¬4) ص 114 - 115. والكلبي -وهو محمد بن السائب- متهم بالكذب، وأبو صالح =

الصفحة 56