كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

[النور: 62]، وقال في الأولين: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43] فقاسه على ذلك، فانظر إلى هذا الاختلاف الكبير بين الآيتين، وما ذلك إلا لاختلاف (¬1) أسباب النزول لما نزلت آية التوبة في المنافقين، وآية النور في المؤمنين على اعتبار الأسباب.
وعن علقمة قال: كنا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي تحدث: " أن امرأةً عُذِّبت في هرة إذ ربطتها فلم تطعمها ولم تَسْقِها "، فقال: سمعته منه -يعني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فقالت: هل تدري ما كانت المرأة مع ما فعلت، كانت كافرةً، والمؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرةٍ، فإذا حدثت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطر كيف تُحدِّثُ. رواه أحمد (¬2). وقال الهيثمي (¬3) رجاله رجال الصحيح خرجه فيما يستحقر من الذنوب من أبواب التوبة، ولابن عبد البر مثل هذا التأويل في " التمهيد " عند ذكر عذاب بني إسرائيل على ذنوبهم، ولذلك يظهر مثل ذلك في كثير من الوعيد على بعض الذنوب مثل قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} إلى قوله: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: 1 - 5]، وكذلك عذاب (¬4) قوم شعيب على إخسار (¬5) الميزان مع كفرهم ونحو ذلك، وهذا وأمثاله كثيرٌ.
فاحتج الشافعي بأن الظاهر خصوص هذه العمومات بما نزل فيه وما نزلت بسببه: ألا ترى أنه لو تَصَدَّقَ مُتصَدِّقٌ في الصلاة بعد نزولها لم يقطع على أنه داخلٌ (¬6) في هذه الفضيلة، وإن كان ذلك مجوزاً ممكناً، وقد ينص في بعض ما نزل على سبب أنه أريد به العموم كما جاء في حديث كعب بن عجرة حين نزلت فيه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] فكان يقول:
¬__________
(¬1) في (ف) و (ش): " اختلاف ".
(¬2) أخرجه الطيالسي (1400)، وأحمد 2/ 519، وفي إسناده صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، مختلف فيه، ووصفه الحافظ في " التقريب " بأنه كثير الخطأ.
(¬3) " المجمع " 2/ 190.
(¬4) في (ف): " تعذيب ".
(¬5) في (ف): " إخسارهم ".
(¬6) في (ف): " بدخوله ".

الصفحة 60