كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

لمن يشاء} وأحاديث الشفاعة، فإنه آحاديٌّ من رواية همَّام وشقيق عن حُذيفة، خرَّجاه.
وعلى تقدير صحة أحاديث خلود القاتل المؤمن وعدم المعارض وعدم التأويل، فلا يصح قياس شيءٍ من الكبائر عليه، لأن شرط القياس الظني مساواة الفرع للأصل، وليس فيها ما يُساويه في الإثم لِمَا وَرَدَ فيه من التشديد في القرآن والأحاديث الصحاح وغيرها. وهذا ليس موضعاً للقياس القطعي لو كان يسلمُ وجودُه، كيف وهو ممتنعُ الوجود.
ومن ذلك -وهو الثاني من أدلة الوعيد- قوله تعالى في الفرقان بعد ذكر الشرك وقتل النفس والزنى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68 - 69]، والجواب عنها من وجوه:
الأول: أنها نزلت في مشركي قريش كما هو ثابتٌ في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس (¬1).
الثاني: أن قوله تعالى ذلك راجعٌ إلى جميع ما تقدَّم، ومنه الشرك بالله تعالى، يدل عليه أنه لو قال: ومن يفعل بعض ذلك، دل على مقصود الخصوم بغير شك، فكان في قوله ذلك ما يدل على نقيض مقصودهم، ألا تراه قال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُون}، ولم يقل: والذين لا يقتلون، والذين لا يزنون كما يقول في كثيرٍ من آيات الوعد بالثواب، ولا نص على التبعيض هنا كنصه حيث قال: {ومن يعمل من الصالحات} ونحوها كما نُوضِّحه.
الوجه الثالث: وهو قوله تعالى: {إلا من تاب وآمن} [الفرقان: 70] بواو الجمع، فإنها تدل على أنها في المشركين، لأن المؤمنين لا يقال فيهم: {إلاَّ من تاب وآمن}، ومثلها في سورة مريم [60]، وفي سورة طه [82]:
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (3855) و (4765) و (4766)، ومسلم (3023)، وأبو داود (4273) و (4274).

الصفحة 73