كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

الإحباط، والظاهر في الذنب الذي لا يُغفر أنه الشرك، لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به} [النساء: 48 و116]، وقد خرَّج الحاكم ما يدل على ذلك نصاً صريحاً في تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ (¬1) عَنْهُمْ أَحْسَنُ مَا عَمِلُوا وَيُتَجَاوَزُ (1) عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُون} [الأحقاف: 16]. كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وفيه عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قضى أن يُؤتى بحسنات العبد وبسيئاته، ويُقَصُّ بعضُها ببعض، فإن بقيت حسنةٌ، وسَّعَ الله له في الجنة ما شاء، وإن لم يبق له شيءٌ فـ {أولئك الذين يُتَقَبَّلُ عنهم أحسنُ ما عَمِلُوا، ويُتجاوزُ عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يُوعَدُونَ} قال الحاكم: صحيح الإسناد (¬2).
فهؤلاء الذين لم يبق لهم من حسناتهم هم الذين حبطت أعمالهم (¬3)، فلم يمنع ذلك من تدارُكِ رحمة الله تعالى الواسعة لهم، وفيه دِلالةٌ على أنه يجوز أن يحبط عملُ المؤمن بذنوبه ثم تُدركه الرحمة والحمد لله.
وأما حديثُ سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً: "رُبَّ صائمٍ حَظُّه من
¬__________
(¬1) كذا الأصول: " يُتَقَبَّلُ ويُتَجاوز " بالياء المضمومة فيهما، و" أحسن " رفع على ما لم يسم فاعله، وهي قراءه ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، ونافع، وأبي بكر عن عاصم. وقرأ حمزه والكسائي وحفص عن عاصم: " نتقبل " و" نتجاوز " بالنون فيهما ونصب (أحسن). انظر " حجة القراءات " ص 664، و" زاد المسير " 7/ 379.
(¬2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 7/ 113، والطبري في " تفسيره " 26/ 18، والحاكم 4/ 252، والدولابي في " الكنى " 2/ 152 من طريق الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس. ورجاله ثقات غير الغطريف، فلم يوثقه غير ابن حبان 7/ 313 - 314، ولم يرو عنه غير الحكم.
وذكره ابن كثير في " تفسيره " 7/ 265 - 266 وساق إسناد ابن أبي حاتم له، وقال: وهو حديث غريب، وإسناده جيد لا بأس به.
(¬3) في (د) و (ف) وفوقها في (ش): " حسناتهم ".

الصفحة 77