كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬__________
= وطلب منهم إيثارَ الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول، وهو كلمة العذاب، فدمرهم.
قلت: وقد قدر المحذوف غير واحد من السلف بالطاعة.
قال ابن جرير في " تفسيره " 15/ 54 - 55: اختلفت القراء في قراءة قوله: {أمرنا مترفيها} فقرأت ذلك عامةُ قراء الحجاز والعراق {أمَرْنَا} بقصر الألف وغير مدها وتخفيف الميم وفتحها، وإذا قرىء ذلك كذاك، فإن الأغلب من تأويله: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا فيها بمعصيتهم الله وخلافهم أمره، كذلك تأوَّله كثير ممن قرأه كذلك، ثم أخرجه عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
وأما المترفون، فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون: هم الجبارون والمتسلطون والكبراء.
قال الألوسي في " روح المعاني " 15/ 43: وخصَّهم بالذكر مع توجه الأمر إلى الكل، لأنهم أئمة الفسق، ورؤساء الضلال، وما وقع من سواهم باتباعهم لأن توجه الأمر إليهم آكد.
ويدل على تقدير " الطاعة " أن فَسَقَ وعَصَى متقاربان بحسب اللغة، وإنَّ خص الفسوق في الشرع بمعصية خاصة، وذكر الضد يدل على الضدِّ، كما أن ذكر النظير يدل على النظير، فذكر الفسق والمعصية يدل على تقدير الطاعة، كما قيل في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر}، فيكون نحو: أمرته فأساء إلي، أي: أمرته بالإحسان بقرينة المقابلة بينهما المعتضدة بالعقل الدال على أنه لا يؤمر بالإساءة، كما لا يؤمر بالفسق، والنقل، كقوله تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء} وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم كما في: يُعطي ويمنع، أي: وجهنا الأمر.
وقال ابن الجوزي في " زاد المسير " 5/ 18 - 19: قوله تعالى: {أمرنا مترفيها} قرأ الأكثرون: {أمرنا} مخففة على وزن " فعلنا " وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا، هذا مذهب سعيد بن جبير. قال الزجاج: ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر.
والثاني: " كثرنا " يقال: أمرت الشيء وآمرته، أي كثرته، ومنه قولهم: مُهَرةٌ مأمورة أي كثيرة النِّتَاج، يقال: أَمِر بنو فلان يأمرون أمراً: إذا كثروا، هذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة.
والثالث: أن معنى: " أمرنا ": أمرنا، يقال: أمرت الرجل، بمعنى: أمَّرتَه، والمعنى: سلُطنا =

الصفحة 90