كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

قالوا: انطلِقْ انطلِقْ" الحديث، ثم فَسَّراه بما تقدم من أنه آكلُ الربا، وهو حديثٌ شديد، إلاَّ أن في آخره ذكر المغفرة للخالطين (¬1). رواه البخاري في تفسير قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102].
وله شاهدٌ حَسَنٌ بغير لفظه رواه أحمد وابن ماجه (¬2) من طريق ابن لهيعة، عن عبد رَبِّه بن سعيد، عن المَقْبُري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يدخل النار إلاَّ شَقيٌّ " قيل: ومن الشقي؟ قال: " الذي لا يعمل بطاعةٍ ولا يَتْرُكُ لله معصيةً " خرَّجه ابن ماجه في الزهد وهو الحديث (652) من مسند أبي هريرة في " جامع ابن الجوزي " وهو يدلُّ على مثل حديث البخاري عن سَمُرَة في الخالطين.
وكان أحمد يقوي شأن ابن لهيعة في الحديث، ويقول: إنه محدثُ مصر، ويقول: من مثله في حفظه وإتقانه، وأثْنى عليه ابن وهب، وقال: إنه بارٌّ صادقٌ، وأثنى عليه الليثُ وسفيان، وخرَّج له الأربعة، وإن ضعَّفه الأكثرون فقد علم هؤلاء تضعيفهم له وسببه، ثم خالفوهم فيه.
وإنما قلت: إن حديثه يشهد لحديث سمرة في الخالطين، لأن كل مسلمٍ قد أطاع الله في التوحيد، وفي ترك الشرك، وجميع أنواع الكفر، وتعظيم الرسل، وحُبِّهم لله عز وجل، وقد كان بعضهم يقول: اللهم إني أطعتُك في فعل أحب الأشياء إليك، وتَرْكِ أبغضها إليك، فاغفر لي ما بينهما، أو كما قال، فنسأل الله أن يصدق ذلك بواسع رحمته، وعظيم فضله، إنه على ذلك قدير، وبكل خيرٍ جدير، وقد يُجازى المؤمن في الدنيا بعقوباتٍ مختلفة على جهة التدريج، على ما جاء تفسيره في قوله تعالى: {أو يأخُذَهُم على تَخَوُّفٍ فإنَّ
¬__________
(¬1) ونصه (4674): " وأما القوم الذين كانوا، شطرٌ منهم حسن وشطرٌ قبيح، فإنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، تجاوَزَ الله عنهم ".
(¬2) أحمد 2/ 349، وابن ماجه (4298).

الصفحة 94