كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 25 - 26]، ويقول في آياتٍ كثيرةٍ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، وفي آية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُون} [الأنبياء: 94]، وفيها دلالةٌ واضحةٌ على التفرقة بين الإيمان والعمل في الوضع الحقيقي، كما سيأتي، وإلا لكان المعنى: ومن يعمل من الصالحات وهو عاملٌ للصالحات، ويعضُده ما جاء في كتاب الله تعالى من الوعيد على بعض الصالحات صريحاً كقوله تعالى: {ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9]، وفي قوله في الجهاد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّه ... } الآية [الصف: 10 - 11].
ومثلها: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُون ... } [التوبة: 111]، وقوله تعالى: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 85]، وفي قوله في سورة الحديد [21] في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقوله فيها: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 18] قرأ ابن كثير:
المُصَدِّقين بتخفيف الصاد من التصديق فيهما، وقرأ الأكثرون بتشديد الصاد فيهما من الصدقة (¬1)، وفي الصدقة يقول الله تعالى: {الشيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ ويأمُرُكُم بالفحشاء} [البقرة: 268]، وهي الشُّحُّ هنا كما دل عليه أول الآية: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [البقرة: 268]، وأصرحُ منها في الصدقة قوله تعالى في آخر " التغابن ": {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيم} [التغابن: 17].
وخرَّج الحاكم (¬2) من حديث الأوزاعي عن أبي كثيرٍ الزُّبيدي عن أبيه وكان
¬__________
(¬1) انظر " حجة القراءات " ص 701.
(¬2) 1/ 63. ورجاله ثقات غير والد أبي كثير، فلم أقف له على ترجمة وفي كلام الحاكم =

الصفحة 99