كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: §الْأَصْلُ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا اتَّصَلَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ الْإِسْنَادُ عَنْهُ فَهُوَ سُنَّةٌ. وَالْإِجْمَاعُ أَكْثَرُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَإِذَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ فَمَا أَشْبَهَ مِنْهَا ظَاهِرَهُ أَوْلَاهَا بِهِ. وَإِذَا تَكَافَأَتِ الْأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إِسْنَادًا أَوْلَاهَا. وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ مَا عَدَا مُنْقَطِعُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَلَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ. وَلَا يُقَالُ لِأَصْلٍ: لِمَ وَلَا كَيْفَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْفَرْعِ: لِمَ، فَإِذَا صَحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَصْلِ صَحَّ، وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلًّا قَدْ رَأَيْتُهُ اسْتَعْمَلَ الْحَدِيثَ الْمُنْفَرِدَ؛ اسْتَعْمَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّغْلِيسِ، وَاسْتَعْمَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ حَدِيثَ الْغَرَرِ. وَكُلٌّ قَدِ اسْتَعْمَلَ الْحَدِيثَ هَؤُلَاءِ أَخَذُوا بِهَذَا وَتَرَكُوا الْآخَرَ، وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا بِهَذَا وَتَرَكُوا الْآخَرَ. وَالَّذِي لَزِمَ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ، وَأَنَا أَظْلِمُ فِي إِلْزَامِ تَقْلِيدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا نَظَرًا أَتْبَعُهُمْ لِلْقِيَاسِ، إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَصْلٌ يُخَالِفُهُمْ، أَتَّبِعُ أَتْبَعَهُمْ لِلْقِيَاسِ. قَدِ اخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ؛ الْقِيَاسُ فِيهَا مَعَ عَلِيٍّ، وَبِقَوْلِهِ آخُذُ، مِنْهَا الْمَفْقُودُ، قَالَ عُمَرُ: يُضْرَبُ الْأَجَلُ إِلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَقَالَ عَلِيٌّ: امْرَأَتُهُ لَا تُنْكَحُ أَبَدًا. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ حَتَّى يَتَّضِحَ بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ. وَقَالَ عُمَرُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي سَفَرٍ، ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَسَيَبْلُغُهَا الطَّلَاقُ، وَلَا تَبْلُغُهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَحِلَّ وَتُنْكَحُ: إِنَّ زَوْجِهَا الْآخَرَ أَوْلَى بِهَا إِذَا دَخَلَ بِهَا. وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَقَالَ عُمَرُ فِي الَّذِي يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَيَدْخُلُ بِهَا أَنَّهُ يفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا -[106]- وَقَالَ عَلِيٌّ: يَنْكِحُهَا بَعْدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَاءِ، وَأَصَحُّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «مُرْهُ - يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ - أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». فَلَمَّا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةً كَانَ أَصَحَّ الْقَوْلِ فِيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْأَطْهَارَ الْعِدَّةَ

الصفحة 105