كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

قَالَ: وَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، أَحْسِبُهُ تَابِعِيًّا أَوْ صَحَابِيًّا: عِظْنِي، وَلَا تُكْثِرْ عَلِيَّ فَأَنْسَ. فَقَالَ لَهُ: «§اقْبَلِ الْحَقَّ مِمَّنْ جَاءَكَ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا وَارْدُدِ الْبَاطِلَ عَلَى مِنْ جَاءَكَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا». وَقَالَ أَيْضًا لِأَبِي: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ عِظْنِي. قَالَ: «وَآخِ الْإِخْوَانَ عَلَى قَدْرِ تَقْوَاهُمْ، وَلَا تَجْعَلْ لِسَانَكَ بُذْلَةً لِمَنْ لَا يَرَى فِيهِ، وَلَا تَغْبِطِ الْحَيَّ إِلَّا بِمَا تَغْبِطُ الْمَيِّتَ»
حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا أَبُو نَصْرٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَدِمَ ابْنُ عِمَامَةَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَلْفَاهُ صَائِمًا وَقَدْ أَحْضَرَ إِخْوَانَهُ طَعَامًا وَصَلَّى صَلَاةً فَأَتْقَنَهَا، ثُمَّ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهَذَا إِلَى فُلَانٍ، وَبِهَذَا إِلَى فُلَانٍ حَتَّى فَرَقَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عِمَامَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ صَلَاةً أَحْكَمْتَهَا، وَطَعَامًا أَطْعَمْتَهُ إِخْوَانَكَ، وَأَتَاكَ مَالٌ أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِكَ فَقُلْتَ: اذْهَبُوا بِهَذَا إِلَى فُلَانٍ وَبِهَذَا إِلَى فُلَانَةٍ، حَتَّى أَتَيْتَ عَلَيْهِ، بِمَ ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَيْحَكَ يَا ابْنَ عِمَامَةٍ §فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مَعَ الدِّينِ أَخَذْنَاهَا وَإِيَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ تَنْحَازُ عَنِ الْبَاطِلِ، أَخَذْنَاهَا وَتَرَكْنَاهُ. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ كَذَلِكَ خَلَطْنَا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، عَسَى أَنْ يَرْحَمَنَا اللَّهُ»
حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا أَبُو نَصْرٍ، ثَنَا ابْنُ أَخِي حَرْمَلَةُ ثنا عَمِّي، قَالَ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَخْبَرْنَا عَنِ الْعَقْلِ، يولَدُ بِهِ الْمَرْءُ؟ فَقَالَ: «لَا §وَلَكِنَّهُ يُلْقَحُ مِنْ مُجَالَسَةِ الرِّجَالِ وَمُنَاظَرَةِ النَّاسِ» قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ لَطِيفَ النَّظَرِ عَجِيبَ الْحَذَرِ حَصِيفًا فِي الْفِكْرِ نَجِيبًا فِي الْعِبَرِ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ الْوَرَّاقُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى، يَقُولُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ: " يَا يُونُسُ §إِذَا بُلِّغْتَ عَنْ صَدِيقٍ لَكَ مَا تَكْرَهُهُ فَإِيَّاكَ أَنْ تُبَادِرَ بِالْعَدَاوَةِ وَقَطْعِ الْوَلَايَةِ فَتَكُونَ مِمَّنْ أَزَالَ يَقِينَهُ بِشَكٍ، وَلَكِنِ الْقَهُ، وَقُلْ لَهُ -[122]-: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا وَكَذَا وَأَجْدَرُ أَنْ تُسَمِّيَ الْمُبَلِّغَ فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ أَصْدَقُ وَأَبَرُّ، وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ فَرَأَيْتَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَجْهًا بِعُذْرٍ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ فَقُلْ لَهُ: مَاذَا أَرَدْتَ بِمَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ فَإِنْ ذَكَرَ مَا لَهُ وَجْهٌ مِنَ الْعُذْرِ فَاقْبَلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ وَجْهًا لِعُذْرٍ، وَضَاقَ عَلَيْكَ الْمَسْلَكُ فَحِينَئِذٍ أَثْبِتْهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً أَتَاهَا. ثُمَّ أَنْتَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ إِنْ شِئْتَ كَافَأْتَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْتَ عَنْهُ، وَالْعَفْوُ أَبْلَغُ لِلتَّقْوَى، وَأَبْلَغُ فِي الْكَرْمِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٍ مِثْلَهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلِحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فَإِنْ نَازَعَتْكَ نَفْسُكَ بِالْمُكَافَأَةِ فَاذْكُرْ فِيمَا سَبَقَ لَهُ لَدَيْكَ، وَلَا تَبْخَسْ بَاقِي إِحْسَانِهِ السَّالِفَ بِهَذِهِ السَّيِّئَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ كَافَأَنِي عَلَى إِسَاءَتِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا يَبْخَسَ حَقًّا لِي. يَا يونُسُ إِذَا كَانَ لَكَ صَدِيقٌ فَشُدَّ يَدَيْكَ بِهِ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الصَّدِيقِ صَعْبٌ وَمُفَارَقَتُهُ سَهْلٌ. وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يُشَبِّهُ سُهُولَةَ مُفَارَقَةِ الصَّدِيقِ بِصَبِيٍّ يَطْرَحُ فِي الْبِئْرِ حَجَرًا عَظِيمًا فَيسْهُلُ طَرْحُهُ عَلَيْهِ، وَيَصْعُبُ إِخْرَاجُهُ عَلَى الرِّجَالِ البركِ فَهَذِهِ وَصِيَّتِي لَكَ. وَالسَّلَامُ "

الصفحة 121