كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ، ثنا أَبِي حَرْمَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «§إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ، الرَّجُلَ أَكَاتِبٌ هُوَ؟ فَانْظُرْ أَيْنَ يَضَعُ دَوَاتَهُ، فَإِنْ وَضَعَهَا عَنْ شِمَالِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَاتِبٍ»
حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثنا أَبُو نَصْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ شَهِدْتَ بَدْرًا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: مِثْلَ مَنْ كُنْتَ؟ قَالَ: «غُلَامٌ قُمْدُودٌ مِثْلُ عَطْبَاءِ الْجُلْمُودِ» قَالَ: فَحَدِّثْنِي مَا رَأَيْتَ وَحَضَرْتَ. قَالَ: «مَا كُنَّا إِلَّا شُهُودًا كَأَغْيَابٍ، وَمَا رَأَيْنَا ظَفَرًا كَانَ أَوْشَكَ مِنْهُ». قَالَ: فَصِفْ لِي مَا رَأَيْتَ. قَالَ: «رَأَيْتُ فِيَ سَرَعَانِ النَّاسِ §عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ غُلَامًا شَابًّا لَيْثًا عَبْقَرِيًّا يَفْرِي الْفِرَى، لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ، وَلَا يَضْرِبُ شَيْئًا إِلَّا هَتَكَهُ، لَمْ أَرْ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا قَطُّ أَنْفَقَ مِنْهُ، يَحْمِلُ حَمْلَةً، وَيَلْتَفِتُ الْتِفَاتَةً كَأَنَّهُ ثَعْلَبٌ زَوَّاغٌ، وَكَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ فِي قَفَاهُ، وَكَأَنَّ وُثُوبَهُ وُثُوبَ وَحْشٍ يَتْبَعُهُ رَجُلٌ، مُعَلَّمٌ بِرِيشِ نَعَامَةٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ يَحْطِمُ يَبَسًا، وَلَا يَسْتَقْبِلُ شَيْئًا إِلَّا هَدَّهُ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، شُجَاعٌ أَبْلَهُ، يَحْمِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ وَرَاءَهُ». قِيلَ هَذَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «فَرَأَيْتَ مَاذَا؟» قَالَ: رَأَيْتُ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَرَأَيْتُ جَدَّكَ عُتْبَةَ وَخَالَكَ الْوَلِيدَ حِينَ قُتِلَا، وَرَأَيْتُ مَا وَصَفْتُ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِكَ لَمْ يَعْفُوا عَنْهُ. قَالَ: فَكُنْتَ فِي الْمُنْهَزِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا انْهَزَمَتْ عَشِيرَتُكَ فَأَنَّى كُنْتَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَتْ كُنْتُ فِي سُرْعَانِهِمْ، قَالَ: فَأَيْنَ رُحْتَ؟ قَالَ: " مَا رُحْتُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْهِضَابِ، قَالَ: لَقَدْ أَحْسَنْتَ الْهَرَبَ قَالَ: فِعْلِي مَا احْتَسَبَهُ أَبُوكَ وَبَعْدَهُ مَا اتَّعَظْتَ بِمَصْرَعٍ كَمَصْرَعِ جَدِّكَ وَخَالِكَ وَأَخِيكَ. قَالَ: «إِنَّكَ لَغَلِيظُ الْكَلَامِ» قَالَ: إِنِّي مِمَّنْ يَفِرُّ، قَالَ: «إِنَّكُمْ تُبْغِضُونَ قُرَيْشًا». قَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَهُ فَنُبْغِضُهُ. قَالَ: «وَمَنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ؟» قَالَ: مَنْ قَطَعَ الْقَرَابَةَ وَاسْتَأْثَرَ بِالْفَيْءِ وَطَلَبَ الْحَقَّ، فَلَمَّا أُعْطِيَهُ مَنَعَهُ. قَالَ: مَا فِيكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُسْكَتَ عَنْكَ. قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: «قَدْ سَكَتَّ»

الصفحة 145