كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

قَالَ: ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: «§الْحَسَدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ لُؤْمِ الْعُنْصِرِ، وَتَعَادِي الطَّبَائِعِ، وَاخْتِلَافِ التَّرْكِيبِ، وَفَسَادِ مِزَاجِ الْبِنْيَةِ، وَضَعْفِ عَقْدِ الْعَقْلِ. الْحَاسِدُ طَوِيلُ الْحَسَرَاتِ عَادِمُ الدَّرَجَاتِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الصَّابُونِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ، ثَنَا نَهْشَلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، كَثِيرٍ قَالَ: أُدْخِلَ الشَّافِعِيُّ يَوْمًا إِلَى بَعْضِ حُجَرِ هَارُونَ الرَّشِيدِ لِيَسْتَأْذِنَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعَهُ سِرَاجٌ الْخَادِمُ فَأَقْعَدَهُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ مُؤَدِّبِ أَوْلَادِ الرَّشِيدِ. فَقَالَ سِرَاجٌ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُؤَدِّبُهُمْ، فَلَوْ أَوْصَيْتَهُ بِهِمْ. فَأَقْبَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ فَقَالَ لَهُ: «§لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَبْدَأُ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ أَوْلَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِصْلَاحُ نَفْسِكَ؛ فَإِنَّ أَعْينَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا تَسْتَحْسِنُهُ وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَهُ. عَلِّمْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَلَا تُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ فَيَمَلُّوهُ، وَلَا تَتْرُكَهُمْ مِنْهُ فَيَهْجُرُوهُ، ثُمَّ رَوِّهِمْ مِنَ الشَّعْرِ أَعَفَّهُ، وَمَنَ الْحَدِيثِ أَشْرَفَهُ، وَلَا تُخْرِجَنَّهُمْ مِنْ عِلْمٍ إِلَى غَيْرِهِ حَتَّى يُحْكِمُوهُ، فَإِنَّ ازْدِحَامَ الْكَلَامِ فِي السَّمْعِ مَضِلَّةٌ لِلْفَهْمِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرٍ الْإِبِيرِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ بِكَلَامٍ فَأَنْشَأَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: «
[البحر الطويل]
§جُنُونُكَ مَجْنُونٌ وَلَسْتَ بِوَاجِدٍ ... طَبِيبًا يُدَاوِي مِنْ جُنُونِ جُنُونِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَنَدَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، يَحْكِي عَنْ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: النَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّكَ شِيعِيُّ، فَقَالَ: " مَا مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ نُصَيْبٌ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكِ حَتَّى كَأَنَّنِي ... لِرَجْعِ جَوَّابِ السَّائِلِي عَنْكِ أَعْجَمُ
لِأَسْلَمَ مِنْ قَوْلِ الوُشَاةِ وَتَسْلَمِي ... سَلَّمْتِ وَهَلْ حَيٌّ عَلَى النَّاسِ يَسْلَمُ "
-[148]-
ثُمَّ قَالَ: «§لَيْسَ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيلُ فَانْظُرْ إِلَى مَا يُصْلِحُ دِينِكَ فَالْزَمْهُ»

الصفحة 147