كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرٍ الْعُكْبَرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ، يَقُولُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: «
[البحر الطويل]
§عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْتَ بِالفَضْلِ آخِذٌ ... وَمَا الْفَضْلُ إِلَّا لِلَّذِي يَتَفَضَّلُ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، ثَنَا حَرْمَلَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «
[البحر الكامل]
§وَدَعِ الَّذِينَ إِذَا أَتَوْكَ تَنَسَّكُوا ... وَإِذَا خَلَوْا فَهُمْ ذِئَابُ خِرَافِ»
حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثَنَا أَبُو نَصْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا وَفَاءُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي سَحَرَةَ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، اعْتَمَرَ، فَلَمَّا قَضَى عُمْرَتَهُ وَانْصَرَفَ بِالْأَبْوَاءِ، فَاطَّلَعَ فِي بِئْرِهَا الْعَادِيَّةِ، فَضَرَبَتْهُ اللَّقْوَةُ، فَاعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ أَسْبَلَهَا عَلَى شِقِّهِ ثُمَّ اسْتَوَى جَالِسًا فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ §ابْنَ آدَمَ يَعْرِضُ لِلْبَلَاءِ لِيُؤْجَرَ، وَيُعَاقَبَ بِذَنْبٍ، أَوْ يَعْتِبَ لِيُعْتَبَ، وَلَسْتُمَ مَخْلُوًّا مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَقَدِ ابْتُلِيَ الصَّالِحُونَ قَبْلِي، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، وَإِنْ عُوفِيتُ فَقَدْ عُوفِيَ الصَّالِحُونَ قَبْلِي، وَمَا آمَنُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، وَإِنْ مَرِضَ عُضْوٌ مِنِّي فَمَا أُحْصِي صِحَّتِي، وَمَا عُوفِيتُ مِنْهُ أَطْوَلُ. أَنَا الْيَوْمُ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً فَرَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا لِي بِالْعَافِيَةِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ عَتَبَ عَلَيَّ بَعْضُ خَاصَّتِكُمْ فَإِنِّي لَحَدَثٌ عَلَى عَامَّتِكُمْ». ثُمَّ بَكَى، فَارْتَفَعَ النَّاسُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: «وَقَفْتُ وَاللَّهِ عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ عَرُوفًا، وَكَثُرَ الدَّمْعُ فِي عَيْنِي، وَابْتُلِيتُ فِي أَحِبَّتِي، وَمَا يَبْدُو مِنِّي، وَلَوْلَا هَوَايَ فِي يَزِيدَ ابْنِي لَانْصَرَفَ قَصْدِي». فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ يَزِيدَ: «أَدْرِكْنِي»، وَسَرَجَ لَهُ الْبَرِيدَ. قَالَ: فَخَرَجَ يَزِيدُ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
جَاءَ الْبَرِيدُ بِقِرْطَاسٍ يَحُثُّ بِهِ ... فَأَوْجَسَ الْقَلْبُ مِنْ قِرْطَاسِهِ فَزَعَا
قُلْنَا لَكَ الْوَيْلُ مَاذَا فِي صَحِيفَتِكُمْ ... قَالُوا الْخَلِيفَةُ أَمْسَى مُثْقَلًا وَجِعَا
-[155]-
فَمَادَتِ الْأَرْضُ أَوْ كَادَتْ تَمِيدُ بِنَا ... كَأَنَّمَا مُضَرٌ أَرْكَانُهَا انْقَلَعَا
ثُمَّ انْبَعَثْنَا إِلَى خُوصٍ مُزَمَّمَةٍ ... نَرْمِي الْعَجَاجَ بِهَا لَا نَأْتَلِي سُرُعَا
فَمَا نُبَالِي إِذَا بَلَغْنَ أَرْجُلُنَا ... مَا يأتِ مِنْهُنَّ بِالْمَرْمَاةِ أَوْ طَلَعَا
أَوْدَى ابْنُ هِنْدٍ وَأَوْدَى الْمَجْدُ يَتْبَعُهُ ... كَانَا جَمِيعًا خَلِيطًا حِطَّتَانِ مَعَا
أَغَرُّ أَمْلَحُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... لَوْ قَارَعَ النَّاسُ عَنْ أَحْلَامِهِمْ قَرَعَا
لَا يَرْقَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَى وَإِنْ جَهَدُوا ... يَوْمًا لَدَيْهِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعَا
قَالَ: فَانْتَهَى يَزِيدُ إِلَى الْبَابِ، وَبِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ بِجَنْبٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَإِذَا هُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ قَالَ: فَانْكَبَّ عَلَيْهِ يَزِيدُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَنْبَسَةَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يَا عُثْمَانُ:
لَوْ فَاتَ شَيْءٌ يُرَى لَفَاتَ أَبُو ... حَيَّانَ لَا عَاجِزٌ وَلَا وَكِلُ
الْحُوَّلُ الْقَلْبِ الْأَرِيبِ فَمَا ... تَنْفَعُ وَقْتَ الْمَنِيَّةِ الْحُوَلُ
قَالَ: صَهٍ، فَرَفَعَ مُعَاوِيَةُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " هُوَ ذَاكَ يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَى شَيْءٍ فَعَلْتُهُ إِلَّا مَا فَعَلْتُهُ فِي أَمْرِكَ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ، صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَتَبِعْتُهُ بِإِدَاوَةَ مِنْ مَاءٍ أَصُبُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَلَا أَكْسُوكَ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَكَسَانِي إِحْدَى قَمِيصِهِ الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ، وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، فَأَخَذْتُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَأَشْعِرْنِي ذَلِكَ الْقَمِيصَ دُونَ كَفَنِي وَاجْعَلْ ذَلِكَ الشَّعْرَ وَالْأَظْفَارَ فِي فَمِي وَفِي مِنْخَرَيْ فَإِنْ يَقَعْ شَيْءٌ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ". قَالَ: ثُمَّ تُوفِّيَ مُعَاوِيَةُ، فَأَقَامَ ثَلَاثَةً لَا يَخْرُجُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى قَالَ النَّاسَ: قَدِ اشْتَغَلَ يَزِيدُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَا بَعْدُ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ حَبْلًا مِنْ حِبَالِ اللَّهِ مَدَّهُ مَادُّهُ، ثُمَّ قَطَعَهُ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ، وَفَوْقَ مَنْ بَعْدَهُ، وَلَسْتُ أَعْتَذِرُ، وَلَا أَتَشَاغَلُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، عَلَى رِسْلِكُمْ إِذَا كَرِهَ اللَّهُ شَيْئًا غَيَّرَهُ، ثُمَّ نَزَلَ
قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ عَامَّةُ -[156]- حَدِيثِهِ عَنِ الْأَئِمَّةِ عَنْ مِثْلِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيُّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَالْأَعْلَامُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْحُمَيْدِيُّ

الصفحة 154