كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا إِسْحَاقُ، ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: «§لِأَهْلِ الطَّاعَةِ بَالُهُمْ أَلَذُّ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ بِلَهْوِهِمْ وَلَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا»
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ: " §لَوْ لَمْ يَبْكِ الْعَاقِلُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا عَلَى لَذَّةِ مَا فَاتَهُ مِنَ الطَّاعَةِ فِيمَا مَضَى كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبْكِيَهُ حَتَّى يَمُوتَ. قُلْتُ لَهُ: فَلَيْسَ يَبْكِي عَلَى لَذَّةِ مَا مَضَى إِلَّا مَنْ وَجَدَ لَذَّةَ مَا بَقِيَ، فَقَالَ: لَيْسَ الْعَجَبُ مِمَّنْ يَجِدُ لَذَّةَ الطَّاعَةِ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ وَجَدَ لَذَّتَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا كَيْفَ صَبَرَ عَنْهَا "
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: «§يَجُوزُ لِبَاسُ الصُّوفِ لِمَنْ لَبِسَهُ يُرِيدُ بَقَاءَهُ وَيَجُوزُ لِبَاسُهُ فِي السَّفَرِ وَمَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَلْبَسُهُ. .»
وَقَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ: «§صَاحِبُ الْعِيَالِ أَعْظَمُ أَجْرًا لِأَنَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ تَعْدِلُ سَبْعِينَ مِنَ الْعَزَبِ، وَالْمُتَفَرِّغُ يَجِدُ مِنْ لَذَّةِ الْعِبَادَةِ مَا لَا يَجِدُهَا صَاحِبُ الْعِيَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْ شَيْءٍ»
وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ - وَقِيلَ لَهُ: مَا لَهُ مَنْ يُؤْنِسُهُ فِي الْبَيْتِ فَارْتَاعَ، وَقَالَ -: «§لَا أَنْسَى اللَّهَ بِهِ أَبَدًا»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عُمَرَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ سَهْلِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الدُّورِيِّ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «§أَنْجَى الْأَسْبَابِ مِنَ الشَّرِّ الِاعْتِزَالُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُعْرَفُ فِيهِ. وَالتَّخَلُّصُ إِلَى خُمُولِ الذِّكْرِ أَيْنَ كُنْتَ، وَطُولُ الصَّمْتِ، وَقِلَّةُ الْمُخَالَطَةِ وَالِاعْتِصَامُ بَالرَّبِّ، وَالْعَضُّ عَلَى فِلَقِ الْكِسَرِ، وَمَا دَنُؤَ مِنَ اللِّبَاسِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا، وَالتَّمَسُّكُ بِعِنَانِ الصَّبْرِ وَالِانْتِظَارِ لِلْفَرْجِ، وَتَرَقُّبُ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِحُسْنِ النَّظَرِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَمِنْ دَوَاعِي الْمَوْتِ ذَمُّ الدُّنْيَا فِي الْعَلَانِيَةِ، وَاعْتِنَاقُهَا فِي السِّرِّ مَا لَمْ يُحْسِنْ رِعَايَةَ نَفْسِهِ أَسْرَعَ بِهِ هَوَاهُ إِلَى الْهَلَكَةِ، مَنْ لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْظُرْ لَهَا غَيْرُهُ، وَلَا يَنْفَعُ الْهَالِكَ نَجَاةُ الْمَعْصُومِ، وَلَا يَضُرُّ النَّاجِيَ تَلَفُ الْهَالِكِ. يَجْمَعُ النَّاسَ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ جَمِيعًا وَهُمْ فُرَادَى كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ مَشْغُولٌ وَعَنْهَا وَحْدَهُ مَسْئُولٌ، فَهُوَ بِصَالِحِ عَمَلِهِ مَسْرُورٌ، وَمِنْ -[276]- شَرِّ عَمَلِهِ مُسْتَوْحِشٌ مَحْزُونٌ، وَمَرَارَةُ التَّقْوَى الْيَوْمَ حَلَاوَةٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالْأَعْمَى مَنْ عَمِّيَ بَعْدَ الْبَصَرِ، وَالْهَالِكُ مَنْ هَلَكَ فِي آخِرِ سَفَرِهِ، وَقَدْ قَارَبَ الْمَنْزِلَ، وَالْخَاسِرُ مَنْ أَبْدَى لِلنَّاسِ صَالِحَ عَمَلِهِ وَبَارَزَ بِالْقَبِيحِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»

الصفحة 275