كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ، يَقُولُ: «إِنِّي §تَبَحَّرْتُ الْعُلُومَ وَجَرَّبْتُ الْأُصُولَ وَأَدَمْتُ الْفِكْرَ وَأُلْهِمْتُ الِاعْتِبَارَ، وَعَنِيتُ بِالْأَذْكَارِ، وَطَالَعْتُ الْحِكْمَةَ، - وَدَارَسْتُ الْمَوْعِظَةَ، وَتَدَبَّرْتُ الْقَوْلَ بِالْمَعْقُولِ، وَصَرَفْتُ الْمَعَانِيَ بِالذِّهْنِ فَلَمْ أَجِدْ مِنَ الْعِلْمِ عِلْمًا وَلَا لِلصَّدْرِ أَشْفَى وَلَا لِلْهَمِّ أَتْقَى وَلَا لِلْقَلْبِ أَحْيَى وَلَا لِلْخَيْرِ أَجْلُبَ، وَلَا لِلشَّرِّ أذْهَبَ، وَلَا عَلَى الْقَلْبِ أَغْلَبَ، وَلَا بِالْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ بِآخِرَتِهِ، لِيَصِحَّ الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِهِ، وَالرَّجَاءُ لِثَوَابِهِ، وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ، وَالْفِكَرُ لَيْسَتْ لَهَا غَايَةٌ، وَالْإِلْهَامُ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَبِدَلَالَاتِ الْعُقُولِ عَلِمْتُ الْعَزْمَ، وَبِقُوَّةِ الْعَزْمِ يُقْهَرُ الْهَوَى، وَإِنَّمَا يُوصَلُ إِلَى حَقَائِقِ الْأَخْبَارِ بِالْعِنَايَةِ وَالتَّفَهُّمِ وَالتَّدَبُّرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْإِيقَانُ وَتَصِحُّ الْأَعْمَالُ، وَإِلَّا كَانَتْ أَعْمَالَ الِارْتِيَابِ. لَيْسَ الْمَلِكُ مَنْ تَابَعَ هَوَاهُ وَنَالَ مُلْكَ الدُّنْيَا، بَلِ الْمَلِكُ مَنْ مَلَكَ هَوَاهُ وَاسْتَصْغَرَ مُلْكَ الدُّنْيَا»

الصفحة 289