كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ: «§عَرَضَ لِلْخَلَائِقِ عَارِضٌ مِنَ الْهَوَى أَقْعَدَ الْمُرِيدَ وَأَلْهَى الْعَاقِلَ فَلَا الْعَاقِلُ عَرَفَ دَاءَهُ وَلَا الْمُرِيدُ طَلَبَ دَوَاءَهُ. وَمَنِ اسْتَعْصَمَ بِاللَّهِ عُصِمَ وَمَنْ عُصِمَ حُجِبَ عَنِ الْمَعَاصِي، وَمَنْ تَوَقَّى وُقِيَ، وَمَنِ الْتَمَسَ الْعَافِيَةَ عُوفِيَ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ إِلَى نَفْسِهِ حُجِبَ عَنِ الطَّاعَةِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى فَسُلِكَ بِهِ سَبِيلَ الرَّدَى وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ السُّؤَالَ وَالسُّؤَالُ مِفْتَاحُ الْإِجَابَةِ، وَالْكَرِيمُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ، وَأَكْثَرُ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ قَبْلَ السُّؤَالِ، اسْتَغْنِ عَمَّنْ عَدَلَ عَنْكَ بِوَجْهِهِ، وَخَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ لَا يُفِيقُ، وَلَا تَحْجُبِ النُّصْحَ عَنْ مستفيقٍ، وَاقْصِدْ لِقَلْبِكَ قَصْدَ الطَّرِيقِ، وَاحْبِسْ لِسَانَكَ حَبْسَ الْمَضِيقِ، وَالْقَ الصَّدِيقَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ، وَعَامِلِ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَحَاسِبِ النَّفْسَ بِالْحِسَابِ الدَّقِيقِ. مَا بَالُ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ لَا تَبِينُ فِينَا، وَغُلِبْنَا بَالسَّهْوِ مِنَّا وَالْغَفْلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهَا، وَإِنَّمَا وَضَحَ وَصَحَّ أَنَّ مُطَالَبَتَنَا الدُّنْيَا مِنْ تَقْصِيرِنَا، وَمَطَالَبَتَنَا آمَالَ الْآخِرَةِ فَالًا مِنْ نَقْصِهَا، وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الْعِلْمِ الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ الْآمَالِ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِعَمَلٍ حَرِصَ أَنْ يُتِمَّهُ، وَمَنْ رَأَى ثَوَابَهُ أَحَبَّ أَنْ يُتْقِنَهُ، وَمَنْ تَآخَى الْحِكْمَةَ شُغِلَ عَمَّا سِوَاهَا، وَمَنْ قَرَّ عَيْنًا بِشَيْءٍ لَهَجَ بِذِكْرِهِ، وَالْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ إِلَى يَوْمِ تَلْقَاهَا، وَكُلُّ نَفْسٍ رَهِينَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهَا، وَالنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ فَالمُسْتَمِعُ غَائِبٌ وَالسَّائِلُ مُتَغَيِّبٌ، وَالْمُجِيبُ مُتَكَلِّفٌ، أَدْنَى الرِّضَى يُزِيلُ أَعْمَالَهُمْ وَأَدْنَى السَّخَطِ يُزِيلُ كُلَّ إِحْسَانٍ عِنْدَهُمْ، وَالْعُجْبُ يَمْحَقُ الْعِبَادَةَ، وَيُزْرِي مِنَ الْعَقْلِ، وَمَا وَجَدْتُ فَقْرًا أَضَرَّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلَا مَالًا أَعْدَمَ مِنَ الْعَقْلِ، وَالْخَوْفُ يُكْسِبُ الْوَرَعَ، وَالْيَقِينُ يُكْسِبُ الْخَوْفَ، وَصِحَّةُ التَّرْكِيبُ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ يُكْسِبُ الْيَقِينَ، وَالْمُشَاوَرَةُ تَجْتَلِبُ الْمُظَاهَرَةَ، وَالتَّدْبِيرُ دَلِيلٌ عَلَى عَقْلِ الْعَاقِلِ، وَصِحَّةُ الْوَرَعِ مِنْ عَلَامَاتِ الْخَوْفِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَجْتَلِبُ كَرَمَ الْحَسَبِ، وَسُوءُ الْخُلُقِ يُشِينُ ذَوِي الْأَحْسَابِ، وَمَنْ عَقَلَ أَيْقَنَ، وَمَنْ أَيْقَنَ خَافَ، وَمَنْ خَافَ صَبَرَ، وَمَنْ صَبَرَ وَرَعَ، وَمَنْ وَرَعَ أَمْسَكَ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَنَفَى الْحِرْصَ. فَعِنْدَ ذَلِكَ دَارَتْ رَحَى -[291]- الْعَبْدِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ، وَمَنْ سُحِقَ عَقْلُهُ ضَعُفَ يَقِينُهُ، وَمَنْ ضَعُفَ يَقِينُهُ فُقِدَ مِنْهُ خَوْفُهُ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ مِنْهُ غَفْلَتُهُ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ، وَمَنْ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ لَمْ يَنْجَحْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ وَغَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ دُنْيَاهُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ أَعْمَالُ آخِرَتِهِ بِلَا حَقِيقَةِ خَوْفٍ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ»

الصفحة 290