كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «§لَيْسَ مِنْ عَلَامَاتِ الْهُدَى شَيْءٌ أَبْيَنُ مِنْ حُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ فَإِذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَاءَ اللَّهِ فَقَدْ تَنَاهَى فِي الْبِرِّ أَيْ قَدْ بَلَغَ»
حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ السَّاجِيَّ، يَقُولُ: " §أَطِيلُوا بِالنَّظَرِ فِي الرِّضَا عَنِ اللَّهِ وَتَسَاءَلُوا عَنْهُ بَيْنَكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ ظَفِرْتُمْ مِنْهُ بِشَيْءٍ عَلَوْتُمْ بِهِ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ، وَقَالَ: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24] الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَفِيهَا النَّعِيمُ: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} [المطففين: 25] تُعَجَّلُ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْحَلَاوَةُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ فَيَتَّصِلُ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْعَطِيَّةِ كَانَ مُبْتَدُؤُهَا فِي الدُّنْيَا "
حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ السَّاجِيَّ، يَقُولُ: «§الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَهُ يَتَنَعَّمُ مَعَ اللَّهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ»
قَالَ: وَسَمِعْتُ السَّاجِيَّ يَقُولُ: " §لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ ثَوَابٌ يُرْجَى وَلَا عِقَابٌ يُخْشَى لَكَانَ أَهْلًا أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى بِلَا رَغْبَةٍ فِي ثَوَابٍ وَلَا رَهْبَةٍ مِنْ عِقَابٍ، وَلَكِنْ لِحُبِّهِ وَهِيَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، أَمَا تَسْمَعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] فَانْتَظَمَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى حُبِّهِ أَشْرَفُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ عَمِلَ عَلَى خَوْفِهِ، وَمَثَلُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أَيْنَ مَنْ أَطَاعَكَ عَلَى خَوْفٍ مِنْكَ؟ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّاجِيَّ، يَقُولُ: " إِنَّمَا §ذَكَرَ اللَّهُ دَرَجَةَ الْخَائِفِينَ، وَأَمْسَكَ عَنْ دَرَجَةِ الْمُحِبِّينَ لِأَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، كَمَا أَمْسَكَ عَنْ دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ وَأَظْهَرَ ثَوَابَ الْمُتَّقِينَ، قَالَ فِي النَّبِيِّينَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا وَعِبَادَنَا فُلَانًا وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ} [النحل: 121] وَقَالَ: {أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 47] وَقَالَ: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ -[315]- جَنَّاتِ عَدْنٍ} [ص: 49] الْآيَةَ أَيْ ذِكْرِي وَثَنَائِي عَلَيْهِمْ أَشْرَفُ مِنْ ثَوَابِ الْمُتَّقِينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صِغَارَ الْأُمُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابَ الْعَظِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَحْتَمِلُهُ الْقُلُوبُ هَلْ ذَكَرَ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ شَيْئًا؟ وَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] لَمْ يُبَيِّنْهُ ثُمَّ قَالَ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] "

الصفحة 314