كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْأَسْوَدِ، ثنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ دُسَيْمٍ الزَّقَّاقُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَكَ الْعَابِدَ، يَقُولُ: قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ: تَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَنَرَى مِنْكَ أَشْيَاءَ. فَقَالَ: «§احْسُبُونِي ذَرَّةً وَجَدْتُمُوهَا عَلَى كُنَاسَةٍ مَكَانَهَا»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ شَبِيبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنِي وَوَعَظْتُهُ، فَلَمَّا أَثَارَتِ الْأَحْزَانُ دُمُوعَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَرَدَّدَهَا فِيَّ عُيَيْنَةُ: فَأَنْشَأَتُ أَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلَّا أَسْبَلْتَهَا إِسْبَالًا وَتَرَكْتَهَا تَجْرِي عَلَى خَدَّيْكَ سِجَالًا؟ فَقَالَ لِي: «يَا مَنْصُورُ إِنَّ §الدَّمْعَةَ إِذَا بَقِيَتْ فِي الْجُفُونِ كَانَ أَبْقَى لِلْحُزْنِ فِي الْجَوْفِ، لَقَدْ رَأَى سُفْيَانُ أَنٍ يُعَمِّرَ قَلْبَهُ بِالْأَحْزَانٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَيَّامَ الْحَيَاةِ عَلَيْهِ أَشْجَانًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاسْتَرَاحَ إِلَى إِسْبَالِ الدُّمُوعِ وَمُشَارَكَةِ مَا أَرَى مِنَ الْجُوعِ»
سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، يَقُولُ: قَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ: «§قُلُوبُ الْعِبَادِ كُلُّهَا رُوحَانِيَّةٌ، فَإِذَا دَخَلَهَا الشَّكُّ وَالْخَبَثُ امْتَنَعَ مِنْهَا رُوحُهَا»
وَقَالَ: «إِنَّ §الْحِكْمَةَ تَنْطِقُ فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ بِلِسَانِ التَّصْدِيقِ وَفِي قُلُوبِ الزَّاهِدِينَ بِلِسَانِ التَّفْضِيلِ، وَفِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بِلِسَانِ التَّوْفِيقِ، وَفِي قُلُوبِ الْمُرِيدِينَ بِلِسَانِ التَّفْكِيرِ وَفِي قُلُوبِ الْعُلَمَاءِ بِلِسَانِ التَّذْكِيرِ، وَمَنْ جَزِعَ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا تَحَوَّلَتْ مُصِيبَتُهُ فِي دِينِهِ»
وَقَالَ: «§سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ أَوْعِيَةَ الذِّكْرِ وَقُلُوبَ أَهْلِ الدُّنْيَا أَوْعِيَةَ الطَّمَعِ، وَقُلُوبَ الزَّاهِدينَ أَوْعِيَةَ التَّوَكُّلِ، وَقُلُوبَ الْفُقَرَاءِ أَوْعِيَةَ الْقَنَاعَةِ، وَقُلُوبَ الْمُتَوَكِّلِينَ أَوْعِيَةَ الرِّضَا»
وَقَالَ: " §أَحْسَنُ لِبَاسِ الْعَبْدِ التَّوَاضُعُ وَالِانْكِسَارُ، وَأَحْسَنُ لِبَاسِ الْعَارِفِينَ التَّقْوَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] "
وَقَالَ مَنْصُورٌ: " §سَلَامَةُ النَّفْسِ فِي مُخَالَفَاتِهَا وَبَلَاؤُهَا فِي مُتَابَعَاتِهَا
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، قَالَ -[328]-: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُوسَى الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: قَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ: " حَجَجْتُ حَجَّةً فَنَزَلْتُ سِكَّةً مِنْ سِكَكِ الْكُوفَةِ فَخَرَجْتُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَإِذَا بِصَارِخٍ يَصْرُخُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: §إِلَهِي وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ، وَقَدْ عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَلَكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ وَأَعَانَنِي عَلَيْهَا شَقَائِي وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمَرْخِيُّ عَلَيَّ، وَقَدْ عَصَيْتُكَ بِجَهْدِي وَخَالَفْتُكَ بِجَهْلِي فَالْآنَ عَنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ أَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ وَاشَبَابَاهُ وَاشَبَابَاهُ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ تَلَوْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] الْآيَةَ فَسَمِعْتُ دَكْدَكَةً لَمْ أَسْمَعْ بَعْدَهَا حِسًّا، فَمَضَيْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ رَجَعْتُ فِي مَدْرَجَتِي فَإِذَا أَنَا بِجِنَازَةٍ، قَدْ أُخْرِجَتْ وَإِذَا أَنَا بِعَجُوزٍ قَدْ ذَهَبَ مَتْنُهَا - يَعْنِي قُوَّتَهَا - فَسَأَلْتُهَا عَنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ - وَلَمْ تَكُنْ عَرَفْتَنِي - فَقَالَتْ: هَذَا رَجُلٌ لَا جَزَاهُ إِلَّا جَزَاءَهُ مَرَّ بِابْنِي الْبَارِحَةَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَتَلَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَفَطَّرَتْ مَرَارَتُهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " حَدَّثَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ

الصفحة 327