كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ الْعَابِدَ الْفَيْضَ، يَقُولُ: " §اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ جَازُوا دِيَارَ الظَّالِمِينَ، وَاسْتَوْحَشُوا مِنْ مُؤَانَسَةِ الْجَاهِلِينَ، وَشَابُوا ثَمَرَةَ الْعَمَلِ بِنُورِ الْإِخْلَاصِ، وَاسْتَقَوْا مِنْ عَيْنِ الْحِكْمَةِ وَرَكِبُوا سَفِينَةَ الْفِطْنَةِ، وَأَقْلَعُوا بِرِيحِ الْيَقِينِ، وَلَجُّوا فِي بَحْرِ النَّجَاةِ، وَرَسَوْا بِشَطِّ الْإِخْلَاصِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ سَرَحَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْعُلَا، وَحُطَّتْ هِمَمُ قُلُوبِهِمْ فِي عَارِيَاتِ التُّقَى حَتَّى أَنَاخُوا فِي رِيَاضِ النَّعِيمِ، وَجَنَوْا مِنْ رِيَاضِ ثِمَارِ التَّسْنِيمِ، وَخَاضُوا لُجَّةَ السُّرُورِ، وَشَرِبُوا بِكَأْسِ الْعَيْشِ، وَاسْتَظَلُّوا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي الْكَرَامَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ فَتَحُوا بَابَ الصَّبْرِ وَرَدَمُوا خَنَادِقَ الْجَزَعِ وَجَازُوا شَدِيدَ الْعِقَابِ وَعَبَرُوا جِسْرَ الْهَوَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ أَشَارَتْ إِلَيْهِمْ أَعْلَامُ الْهِدَايَةِ، وَوَضَحَتْ لَهُمْ طَرِيقُ النَّجَاةِ، وَسَلَكُوا سَبِيلَ إِخْلَاصِ الْيَقِينِ "
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ أَبُو حَامِدٍ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَيْضِ ذَا النُّونِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: " §إِلَهِي وَسِيلَتِي إِلَيْكَ نِعَمُكَ عَلَيَّ، وَشَفِيعِي إِلَيْكَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ، إِلَهِي أَدْعُوكَ فِي الْمَلَأِ كَمَا تُدْعَى الْأَرْبَابُ، وَأَدْعُوكَ فِي الْخَلَا كَمَا تُدْعَى الْأَحْبَابُ، أَقُولُ فِي الْمَلَأِ: يَا إِلَهِي وَأَقُولُ فِي الْخَلَا: يَا حَبِيبِي، أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَشْهَدُ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ مُقِرًّا بِأَنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَرَدِّي، ابْتِدَأْتَنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَكُونَ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَخَلَقْتَنِي مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلَابَ، وَنَقَلْتَنِي إِلَى الْأَرْحَامِ، وَلَمْ تُخْرِجْنِي بِرَأْفَتِكَ فِي دَوْلَةٍ أَيِّمَةٍ ثُمَّ أَنْشَأْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ بَيْنَ دَمٍ وَلَحْمٍ مُلْتَاثٍ، وَكَوَّنْتَنِي فِي غَيْرِ صُورَةِ الْإِنَاثِ، ثُمَّ نَشَرْتَنِي إِلَى الدُّنْيَا تَامًّا سَوِيًّا، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلًا صَغِيرًا صَبِيًّا، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذَاءِ لَبَنًا مَرِيًّا، وَكَفَلْتَنِي حُجُورَ الْأُمَّهَاتِ، وَأَسْكَنْتَ قُلُوبَهُمْ رِقَّةً لِي وَشَفَقَةً عَلَيَّ، وَرَبَّيْتَنِي بِأَحْسَنِ تَرْبِيَةٍ، وَدَبَّرْتَنِي بِأَحْسَنِ تَدْبِيرٍ، وَكَلَأْتَنِي -[333]- مِنْ طَوَارِقِ الْجِنِّ وَسَلَّمْتَنِي مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، وَصُنْتَنِي مِنْ زِيَادَةٍ فِي بَدَنِي تُشِينُنِي، وَمِنْ نَقْصٍ فِيهِ يَعِيبُنِي، فَتَبَارَكْتَ رَبِّي وَتَعَالَيْتَ يَا رَحِيمُ، فَلَمَّا اسْتَهْلَلْتُ بِالْكَلَامِ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوَابِغَ الْإِنْعَامِ، وَأَنْبَتَّنِي زَائِدًا فِي كُلِّ عَامٍ، فَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، حَتَّى إِذَا مَلَّكْتَنِي شَأْنِي وَشَدَدْتَ أَرْكَانِي أَكْمَلْتَ لِي عَقْلِي، وَرَفَعْتَ حِجَابَ الْغَفْلَةِ عَنْ قَلْبِي، وَأَلْهَمْتَنِي النَّظَرَ فِي عَجِيبِ صَنَائِعِكَ وَبَدَائِعِ عَجَائِبِكَ، وَأَوْضَحْتَ لِي حُجَّتَكَ وَدَلَلْتَنِي عَلَى نَفْسِكَ، وَعَرَّفْتَنِي مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ وَصُنُوفِ الرِّيَاشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ وَإِحْسَانِكَ الْقَدِيمِ، وَجَعَلْتَنِي سَوِيًّا ثُمَّ لَمْ تَرْضَ لِي بِنِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ أَنْ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ بَلْوَى، وَأَعْلَمْتَنِي الْفُجُورَ لِأَجْتَنِبَهُ، وَالتَّقْوَى لِأَقْتَرِفَهَا، وَأَرْشَدْتَنِي إِلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ زُلْفَى، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي، وَإِنْ حَمِدْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زَوَّدْتَنِي. إِلَهِي فَأَيَّ نِعَمٍ أُحْصِي عَدَدًا، وَأَيَّ عَطَائِكَ أَقُومُ بِشُكْرِهِ، أَمَا أَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنَ النَّعْمَاءِ أَوْ صَرَفْتَ عَنِّي مِنَ الضَّرَّاءِ. إِلَهِي أَشْهَدُ لَكَ بِمَا شَهِدَ لَكَ بَاطِنِي وَظَاهِرِي وَأَرْكَانِي، إِلَهِي إِنِّي لَا أُطِيقُ إِحْصَاءَ نِعَمِكَ فَكَيْفَ أُطِيقُ شُكْرَكَ عَلَيْهَا، وَقَدْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] أَمْ كَيْفَ يَسْتَغْرِقُ شُكْرِي نِعَمَكَ وَشُكْرُكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عِنْدِي، وَأَنْتَ الْمُنْعِمُ بِهِ عَليَّ كَمَا قُلْتُ سَيِّدِي: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وَقَدْ صَدَقْتَ قَوْلُكَ. إِلَهِي وَسَيِّدِي، بَلَّغَتْ رُسُلُكَ بِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ بِجَهْدِي وَمُنْتَهَى عِلْمِي وَمَجْهُودِ وُسْعِي وَمَبْلَغِ طَاقَتِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ إِحْسَانِهِ حَمْدًا يَعْدِلُ حَمْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ "

الصفحة 332