كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْوَشَّاءُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " §خَرَجْتُ فِي طَلَبِ الْمُنَاجَاةِ، فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا أَنا بِرَجُلٍ قَدْ غَاصَ فِي بَحْرِ الْوَلَهِ وَخَرَجَ عَلَى سَاحِلِ الْكَمَهِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَعَ الْإِصْرَارِ لُؤْمٌ وَأَنَّ تَرْكِي الِاسْتِغْفَارَ مَعَ مَعْرِفَتِي بِسِعَةِ رَحْمَتِكَ لَعَجْزٌ، إِلَهِي أَنْتَ الَّذِي خَصَّصْتَ خَصَائِصَكَ بِخَالِصِ الْإِخْلَاصِ، وَأَنْتَ الَّذِي سَلَّمْتَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ مِنِ اعْتِرَاضَ الْوَسْوَاسِ، وَأَنْتَ آنَسْتَ الْآنِسِينَ مِنْ أَوْلِيَائِكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ كِفَايَةَ رِعَايَةِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ وَتَطَّلِعُ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، وَسِرِّي عِنْدَكَ مَكْشُوفٌ وَأَنَا إِلَيْكَ مَلْهُوفٌ. قَالَ: ثُمَّ سَكَنَتْ صَرْخَتُهُ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ، ثنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ أَبَا الْفَيْضِ، يَقُولُ: «§اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَفَكَّرُوا فَاعْتَبَرُوا، وَنَظَرُوا فَأَبْصَرُوا، وَسَمِعُوا فَتَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْمُنَازَعَةِ إِلَى طَلَبِ الْآخِرَةِ حَتَّى أَنَاخَتْ وَانْكَسَرَتْ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَفَتَقُوا بِنُورِ الْحِكَمِ مَا رَتَقَهُ ظُلْمُ الْغَفَلَاتِ وَفَتَحُوا أَبْوَابَ مَغَالِيقِ الْعَمَى بِأَنْوَارِ مَفَاتِيحِ الضِّيَاءِ، وَعَمَّرُوا مَجَالِسَ الذَّاكِرِينَ بِحُسْنِ مُوَاظَبَةِ اسْتِيدَامِ الثَّنَاءِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَرَاسَلَتْ عَلَيْهِمْ سُتُورُ عِصْمَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَحُصِّنَتْ قُلُوبُهُمْ بِطَهَارَةِ الصَّفَاءِ، وَزَيَّنْتَهَا بِالْفَهْمِ وَالْحَيَاءِ، وَطَيَّرْتَ هُمُومَهُمْ فِي مَلَكُوتِ سَمَاوَاتِكَ حِجَابًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَيْكَ فَرَدَدْتَهَا بِظَرَائِفِ الْفَوَائِدِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ سَهُلَ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ الطَّاعَةِ، وَتَمَكَّنُوا فِي أَزِمَّةِ التَّقْوَى، وَمُنِحُوا بِالتَّوْفِيقِ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ فَزُيِّنُوا وَقُرِّبُوا وَكُرِّمُوا بِخِدْمَتِكَ»
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «§لَكَ الْحَمْدُ يَا ذَا الْمَنِّ وَالطَّوْلِ وَالْآلَاءِ وَالسَّعَةِ، إِلَيْكَ تَوَجَّهْنَا وَبِفِنَائِكَ أَنَخْنَا، وَلَمْعُرُوفِكَ تَعَرَّضْنَا، وَبُقْرِبَكَ نَزَلْنَا، يَا حَبِيبَ التَّائِبِينَ، وَيَا سُرُورَ -[336]- الْعَابِدِينَ، وَيَا أَنِيسَ الْمُنَفِّرِينَ وَيَا حِرْزَ اللَّاجِئِينَ وَيَا ظَهْرَ الْمُنْقَطِعِينَ، وَيَا مَنْ حَبَّبَ إِلَيْهِ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ وَبِهِ آنَسَتْ أَفْئِدَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَعَلَيْهِ عَطَفَتْ رَهْبَةُ الْخَائِفِينَ، يَا مَنْ أَذَاقَ قُلُوبَ الْعَابِدِينَ لَذِيذَ الْحَمْدِ وَحَلَاوَةَ الِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ، يَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ تَابَ وَيَعْفُو عَمَّنْ أَنَابَ، وَيَدْعُو الْمُوَلِّينَ كَرَمًا وَيَرْفَعُ الْمُقْبِلِينَ إِلَيْهِ تَفَضُّلًا، يَا مَنْ يَتَأَنَّى عَلَى الْخَاطِئِينَ وَيَحْلُمُ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَيَا مَنْ حَلَّ عُقْدَةَ الرَّغْبَةِ مِنْ قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ، وَمَحَا شَهْوَةَ الدُّنْيَا عَنْ فِكْرِ قُلُوبِ خَاصَّتِهِ وَأَهْلِ مَحَبَّتِهِ، وَمَنَحَهُمْ مَنَازِلَ الْقُرْبِ وَالْوِلَايَةِ، وَيَا مَنْ لَا يُضَيِّعُ مُطِيعًا وَلَا يَنْسَى صَبِيًّا، يَا مَنْ مَنَحَ بِالنَّوَالِ، وَيَا مَنْ جَادَ بِالِاتِّصَالِ، يَا ذَا الَّذِي اسْتَدْرَكَ بِالتَّوْبَةِ ذُنُوبَنَا وَكَشَفَ بِالرَّحْمَةِ غُمُومَنَا وَصَفَحَ عَنْ جُرْمِنَا، بَعْدَ جَهْلِنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا بَعْدَ إِسَاءَتِنَا، يَا آنِسَ وَحْشَتِنَا وَيَا طَبِيبَ سَقَمِنَا، يَا غِيَاثَ مَنْ أُسْقِطَ بِيَدِهِ، وَتَمَكَّنَ حَبْلُ الْمَعَاصِي، وَأَسْفَرَ خِدْرُ الْحَيَا عَنْ وَجْهِهِ، هَبْ خُدُودَنَا لِلتُّرَابِ بَيْنَ يَدَيْكَ يَا خَيْرَ مَنْ قَدَرَ وَأَرْأَفَ مَنْ رَحِمَ وَعَفَا»

الصفحة 335