كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاشِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: «§إِلَهِي مَا أُصْغِي إِلَى صَوْتِ حَيَوَانٍ وَلَا حَفِيفِ شَجَرٍ، وَلَا خَرِيرِ مَاءٍ، وَلَا تَرَنُّمِ طَائِرٍ، وَلَا تَنَعُّمِ ظِلٍّ، وَلَا دَوِيِّ رِيحٍ، وَلَا قَعْقَعَةِ رَعْدٍ إِلَّا وَجَدْتُهَا شَاهِدَةً بِوَحْدَانِيَّتِكَ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ، وَأَنَّكَ غَالِبٌ لَا تُغْلَبُ وَعَالِمٌ لَا تَجْهَلُ، وَحَ‍لِيمٌ لَا تَسْفَهُ، وَعَدْلٌ لَا تَجُورُ، وَصَادِقٌ لَا تَكْذِبُ، إِلَهِي فَإِنِّي أَعْتَرِفُ لَكَ اللَّهُمَّ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ صُنْعُكَ، وَشَهِدَ لَكَ فِعْلُكَ، فَهَبْ لِي اللَّهُمَّ طَلَبَ رِضَاكَ بِرِضَايَ وَمَسَرَّةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ يَذْكُرُكَ لِمَحَبَّتِي لَكَ، وَوَقَارَ الطُّمَأْنِينَةِ وَتَطَلُّبَ الْعَزِيمَةِ إِلَيْكَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُشْبِعُهْ الْوُلُوعُ بِاسْمِكَ وَلَمْ يَرْوِهِ مِنْ ظَمَائِهِ وُرُودُ غُدْرَانِ ذِكْرِكَ، وَلَمْ يُنْسِهِ جَمِيعَ الْهُمُومِ رِضَاهُ عَنْكَ، وَلَمْ يُلْهِهِ عَنْ جَمِيعِ الْمَلَاهِيِ تَعْدَادُ آلَائِكَ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ عَنِ الْأُنْسِ بِغَيْرِكَ مَكَانُهُ مِنْكَ كَانَتْ حَيَاتُهُ مِيتَةً، وَمِيتَتُهُ حَسْرَةً، وَسُرُورُهُ غُصَّةً وَأُنْسُهُ وَحْشَةً، إِلَهِي عَرِّفْنِي عُيُوبَ نَفْسِي وَافْضَحْهَا عِنْدِي لَأَتَضَرَّعَ إِلَيْكَ فِي التَّوْفِيقِ لِلتَّنَزُّهِ عَنْهَا، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعًا ذَلِيلًا فِي أَنْ تَغْسِلَنِي مِنْهَا، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ شَهِدَتْ أَبْدَانُهُمْ وَغَابَتْ قُلُوبُهُمْ -[343]- تَجُولُ فِي مَلَكُوتِكَ وتَتَفَكَّرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِكَ تَرْجِعُ بِفَوَائِدِ مَعْرِفَتِكَ وَعَوَائِدِ إِحْسَانِكَ قَدْ أَلْبَسْتَهُمْ خُلَعَ مَحَبَّتِكَ وَخَلَعْتَ عَنْهُمْ لِبَاسَ التَّزَيُّنِ لِغَيْرِكَ، إِلَهِي لَا تَتْرُكْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَقْصَى مُرَادِكَ حِجَابًا إِلَّا هَتَكْتَهُ وَلَا حَاجِزًا إِلَّا رَفَعْتَهُ، وَلَا وَعْرًا إِلَّا سَهَّلْتَهُ وِلَا بَابًا إِلَّا فَتَحْتَهُ حَتَّى تُقِيمَ قَلْبِي بَيْنَ ضِيَاءِ مَعْرِفَتِكَ، وَتُذِيقَنِي طَعْمَ مَحَبَّتِكَ وَتُبَرِّدَ بِالرِّضَا مِنْكَ فُؤَادِي، وَجَمِيعَ أَحْوَالِي حَتَّى لَا أَخْتَارَ غَيْرَ مَا تَخْتَارُهُ وَتُجَعِّلَ لِي مَقَامًا بَيْنَ مَقَامَاتِ أَهْلِ وَلَايَتِكَ وَمُضْطَرَبًا فَسِيحًا فِي مَيْدَانِ طَاعَتِكَ، إِلَهِي كَيْفَ اسْتَرْزِقُ مَنْ لَا يَرْزُقُنِي إِلَّا مِنْ فَضْلِكَ؟ أَمْ كَيْفَ أُسْخِطُكَ فِي رِضَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضُرِّي إِلَّا بِتَمْكِينِكَ، فِيَا مَنْ أَسْأَلُهُ إِينَاسًا بِهِ وَإِيحَاشًا مِنْ خَلْقِهِ وَيَا مَنْ إِلَيْهِ الْتِجَائِي فِي شِدَّتِي وَرَجَائِي ارْحَمْ غُرْبَتِي وَهَبْ لِي مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَا أَزْدَادُ بِهِ يَقِينًا، وَلَا تِكِلْنِي إِلى نَفْسِي الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ طَرْفَةَ عَيْنٍ»

الصفحة 342