كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْرَافِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُتَعَبِّدِينَ بَسَاحِلِ بَحْرِ الشَّامِ يَقُولُ: إِنَّ §لِلَّهِ عِبَادًا عَرَفُوهُ بِيَقِينٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَشَمَّرُوا قَصْدًا إِلَيْهِ، احْتَمَلُوا فِيهِ الْمَصَائِبَ لِمَا يَرْجُونَ عِنْدَهُ مِنَ الرَّغَائِبِ، صَحِبُوا الدُّنْيَا بِالْأَشْجَانِ، وَتَنَعَّمُوا فِيهَا بِطُولِ الْأَحْزَانِ فَمَا نَظَرُوا إِلَيْهَا بِعَيْنِ رَاغِبٍ، وَلَا تَزَوَّدُوا مِنْهَا إِلَّا كَزَادِ الرَّاكِبِ، خَافُوا الْبَيَاتَ فَأَسْرَعُوا، وَرَجَوُا النَّجَاةَ فَأَزْمَعُوا، بِذِكْرِهِ لَهِجَتْ أَلْسِنَتُهُمْ فِي رِضَا سَيِّدِهِمْ، نَصَبُوا الْآخِرَةَ نُصْبَ أَعْيِنِهِمْ، وَأَصْغَوْا إِلَيْهَا بِآذَانِ قُلُوبِهِمْ، فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ رَأَيْتَ قَوْمًا ذُبْلًا شِفَاهُهُمْ، خُمْصًا بُطُونُهُمْ، حَزِينَةً قُلُوبُهُمْ، نَاحِلَةً أَجْسَامُهُمْ، بَاكِيَةً أَعْيُنُهُمْ، لَمْ يَصْحَبُوا الْمَلَلَ وَالتَّسْوِيفَ، وَقَنِعُوا مِنَ الدُّنْيَا بَقُوتٍ طَفِيفٍ لَبِسُوا مِنَ اللِّبَاسِ أَيَارًا بَالِيَةً، وَسَكَنُوا مِنَ الْبِلَادِ قِفَارًا خَالِيَةً، هَرَبُوا مِنَ الْأَوْطَانِ وَاسْتَبْدَلُوا الْوَحْدَةَ مِنَ الْإِخْوَانِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ لَرَأَيْتَ قَوْمًا قَدْ ذَبَحَهُمُ اللَّيْلُ بِسَكَاكِينِ السَّهَرِ، وَفَصَلَ الْأَعْضَاءَ مِنْهُمْ بِخَنَاجِرِ التَّعَبِ، خُمْصٌ لِطُولِ السُّرَى شُعْثٌ لِفَقْدِ الْكَرَا، قَدْ وَصَلُوا الْكَلَالَ بِالْكَلَالِ لِلنُّقْلَةِ وَالِارْتِحَالِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْرَافِيلَ يَقُولُ: حَضَرْتُ ذَا النُّونِ فِي الْحَبْسِ وَقَدَ دُخِلَ الْجِلْوَاذَ بِطَعَامٍ لَهُ، فَقَامَ ذَو النُّونِ فَنَفَضَ يَدَهُ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَخَاكَ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ مَرَّ عَلَى يَدَيْ ظَالِمٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ ذَا النُّونِ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ مَا الَّذِي أَنْصَبَ الْعِبَادَ وَأَضْنَاهُمْ فَقَالَ: ذِكْرُ الْمُقَامِ، وَقِلَّةُ الزَّادِ، وَخَوْفُ الْحِسَابِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ: وَلِمَ لَا تَذُوبُ أَبْدَانُ الْعُمَّالِ وَتَذْهَلُ عُقُولُهُمْ وَالْعَرْضُ عَلَى اللَّهِ أَمَامَهُمْ، وَقِرَاءَةُ كُتُبِهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ وُقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ يَنْتَظِرُونَ أَمْرَهُ فِي الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ، ثُمَّ قَالَ: مَثَلُوا هَذَا فِي نُفُوسِهِمْ وَجَعَلُوهُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، قَالَ: وَسَمِعْتُ -[347]- ذَا النُّونِ يَقُولُ: قَالَ الْحَسَنُ: §مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَنْعَ الْإِجَابَةِ إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَنْعَ الدُّعَاءِ "

الصفحة 346