كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي الْفَيْضِ ذِي النُّونِ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: §أَصْبَحْتُ تَعِبًا إِنْ نَفَعَنِي تَعَبِي وَالْمَوْتُ يَجِدُّ فِي طَلَبِي وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُقِيمًا عَلَى ذَنْبٍ وَنِعْمَةٍ، فَلَا أَدْرِي مِنَ الذَّنْبِ أَسْتَغْفِرُ أَمْ عَلَى النِّعْمَةِ أَشْكُرُ، وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ أَصْبَحْتُ بَطَّالًا عَنِ الْعِبَادَةِ مُتَلَوِّثًا بِالْمَعَاصِي أَتَمَنَّى مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ وَأَعْمَلُ عَمَلَ الْأَشْرَارِ، وَسَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: «إِلَهِي لَوْ أَصَبْتُ مُوْئِلًا فِي الشَّدَائِدِ غَيْرَكَ أَوْ مَلْجَأً فِي الْمَنَازِلِ سِوَاكَ لَحَقَّ لِي أَنْ لَا أَعْرِضَ إِلَيْهِ بِوَجْهِي عَنْكَ، وَلَا أَخْتَارَهَ عَلَيْكَ، لِقَدِيمِ إِحْسَانِكَ إِلَيَّ وَحَدِيثِهِ، وَظَاهِرِ مِنَّتِكَ عَلَيَّ وَبَاطِنِهَا، وَلَوْ تَقَطَّعْتُ فِي الْبِلَادِ إِرَبًا إِرَبًا، وَأُنْصِبْتُ عَلَى الشَّدَائِدِ صَبًّا صَبًّا، وَلَا أَجِدُ مُشْتَكًى غَيْرَكَ، وَلَا مَفْرَجًا لِمَا بِي عَنْ سِوَاكَ فَيَا وَارِثَ الْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَيَا بَاعِثَ جَمِيعَ مَنْ فِيهَا، وَرِّثْ أَمَلِي فِيكَ مِنِّي أَمَلِي، وَبَلِّغْ هَمِّي فِيكَ مُنْتَهَى وَسَائِلِي»
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الرَّازِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: يَا خُرَاسَانِيُّ §احْذَرْ أَنْ تَنْقَطِعَ عَنْهُ فَتَكُونَ مَخْدُوعًا قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْمَخْدُوعَ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى عَطَايَاهُ فَيَنْقَطِعَ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ بِالنَّظَرِ إِلَى عَطَايَاهُ، ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّقَ النَّاسُ بِالْأَسْبَابِ وَتَعَلَّقَ الصِّدِّيقُونَ بِوَلِيِّ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ قَالَ: عَلَامَةُ تَعَلُّقِ قُلُوبِهِمْ بِالْعَطَايَا طَلَبُهُمْ مِنْهُ الْعَطَايَا، وَمِنْ عَلَامَةِ تَعَلُّقِ قَلْبِ الصِّدِّيقِ بَوَلِي الْعَطَايَا انْصِبَابُ الْعَطَايَا عَلَيْهِ وَشغْلُهُ عَنْهَا بِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَكُنِ اعْتِمَادُكَ عَلَى اللَّهِ فِي الْحَالِ لَا عَلَى الْحَالِ مَعَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: اعْقِلْ فَإِنَّ هَذَا مِنْ صَفْوَةِ التَّوْحِيدِ "
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحًمَّدٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ -[352]-، ثنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيَم الْخَوَّاصُ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: §مَنْ أَدْرَكَ طَرِيقَ الْآخِرَةِ فَلْيُكْثِرْ مَسْأَلَةَ الْحُكَمَاءِ وَمشَاوَرَتَهُمْ، وَلَكِنْ أَوًّلُ شَيْءٍ يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِالْعَقْلِ، وَمَتى أَرَدْتَ الْخِدْمَةَ لِلَّهِ فَاعْقِلْ لِمَ تَخْدُمُ ثُمُّ أَخْدِمْ "

الصفحة 351