كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

وَقَالَ يُوسُفُ: وَسَأَلْتُ ذَا النُّونِ: مَا " §عِلَاقَةُ الْآخِرَةِ فِي اللَّهِ، قَالَ: ثَلَاثٌ: الصَّفَاءُ، وَالتَّعَاوُنُ، وَالْوَفَاءُ. فَالصَّفَاءُ فِي الدِّينِ، وَالتَّعَاوُنُ فِي الْمُوَاسَاةِ، وَالْوَفَاءُ فِي الْبَلَاءِ "
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الصُّوفِيَّ، يَقُولُ: سُئِلَ ذُو النُّونِ عَنْ سَمَاعِ الْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالنَّغَمَةِ الطَّيِّبَةِ، فَقَالَ: " §مَزَامِيرُ أُنْسٍ فِي مَقَاصِيرِ قُدْسٍ بِأَلْحَانِ تَوْحِيدٍ فِي رِيَاضِ تَمْجِيدٍ بِمُطْرِبَاتِ الْغَوَانِي فِي تِلْكَ الْمَعَانِي الْمُؤَدِّيَةِ بِأَهْلِهَا إِلَى النَّعِيمِ الدَّائِمِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا لَهُمُ الْخَبَرُ فَكَيْفَ طَعْمُ النَّظَرِ "
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحَسَنِ، يَقُولُ: قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ يَوْمًا وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: أَوْصِنِي فَقَالَ: «§بِمَ أُوصِيكَ؟ إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ قَدْ أُيِّدَ مِنْهُ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ بِصِدْقِ التَّوْحِيدِ فَقَدْ سَبَقَ لَكَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا دُعَاءُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَذَلِكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ وَصِيَّتِي لَكَ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَنْ يَنْفَعَكَ النِّدَاءُ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّمْشَاطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " §بَيْنَا أَنَا سَائِرٌ عَلَى شَاطِئِ نِيلِ مِصْرَ إِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ، عَلَيْهَا دُبَّاءُ شَعْتِ الْكَلَالِ، وَإِذَا الْقَلْبُ مِنْهَا مُتَعَلِّقٌ بِحُبِّ الْجَبَّارِ، وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ فِي نِيلِ مِصْرَ وَهُوَ يَضْطَرِبُ بِأَمْوَاجِهِ، فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ نَظَرَتْ إِلَى حُوتٍ يَنْسَابُ بَيْنَ الْوَجْبَتَيْنِ فَرَمَتْ بِطَرَفِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَبَكَتْ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ: لَكَ تَفَرَّدَ الْمُتَفَرِّدُونَ فِي الْخَلَوَاتِ وَلِعَظِيمِ رَجَاءِ مَا عِنْدَكَ سَبَّحَ الْحِيتَانُ فِي الْبُحُورِ الزَّاخِرَاتِ، وَلِجَلَالِ هَيْبَتِكَ تَصَافَيَتِ الْأَمْوَاجُ فِي الْبُحُورِ الْمُسْتَفْحِلَاتِ، وَلِمُؤَانَسَتِكَ اسْتَأْنَسَتْ -[355]- بِكَ الْوحُوشُ فِي الْفَلَوَاتِ، وَبِجُودِكَ وَكَرَمِكَ قُصِدَ إِلَيْكَ يَا صَاحِبَ الْبِرِّ وَالْمُسَامَحَاتِ، ثُمَّ وَلَّتْ عَنِّي وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر السريع]
يَا مُؤْنِسَ الْأَبْرَارِ فِي خَلَوَاتِهِمْ ... يَا خَيْرَ مَنْ حَطَّتْ بِهِ النُّزَّالُ
مَنْ نَالَ حُبَّكَ لَا يَنَالُ تَفَجُّعًا ... الْقَلْبُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يفْنَى مُحَالُ
ثُمَّ غَابَتْ عَنِّي فَلَمْ أَرَهَا، فَانْصَرَفْتُ وَأَنَا حَزِينُ الْقَلْبِ، ضَعِيفُ الرَّأْيِ "

الصفحة 354