كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هَاشِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِذِي النُّونِ: صِفْ لَنَا مِنْ خِيَارِ مَنْ رَأَيْتَ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: " §رَكِبْنَا مَرَّةً فِي الْبَحْرِ نُرِيدُ جُدَّةَ وَمَعَنَا فَتًى مِنْ أَبْنَاءِ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، قَدْ أُلْبِسَ ثَوْبًا مِنَ الْهَيْبَةِ، فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُكَلِّمَهُ فَلَمْ أَسْتَطِعْ. بَيْنَمَا نَرَاهُ قَارِئًا، وَبَيْنَمَا نَرَاهُ صَائِمًا، وَبَيْنَمَا نَرَاهُ مُسَبِّحًا، إِلَى أَنْ رَقَدَ ذَاتَ يَوْمٍ وَوَقَعَتْ فِي الْمَرْكَبِ تُهْمَةٌ فَجَعَلَ النَّاسُ يُفَتِّشْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ بَلَغُوا إِلَى الْفَتَى النَّائِمِ، فَقَالَ صَاحِبُ الصُّرَّةِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الْفَتَى النَّائِمِ. فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ قُمْتُ فَأَيْقَظْتُهُ فَمَا كَانَ حَتَّى تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا فَتًى مَا تَشَاءُ، فَقُلْتُ: إِنَّ تُهْمَةً وَقَعَتْ فِي الْمَرْكَبِ وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ فَتَّشَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى بَلَغُوا إِلَيْكَ. فَالْتَفَتَ إِلَى صَاحِبِ الصُّرَّةِ وَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَيَّ مِنْكَ. فَرَفَعَ الْفَتَى يَدَيْهِ يَدْعُو وَخِفْتُ عَلَى أَهْلِ الْمَرْكَبِ مِنْ دُعَائِهِ وَخُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ كُلَّ حُوتٍ فِي الْبَحْرِ قَدْ خَرَجَ، فِي فَمِ كُلِّ حُوتٍ دُرَّةٌ، فَقَامَ الْفَتَى إِلَى جَوْهَرَةٍ فِي حُوتٍ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا إِلَى صَاحِبِ الصُّرَّةِ، وَقَالَ: فِي هَذِهِ عِوَضٌ مِمَّا ذَهَبَ مِنْكَ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ "
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاشِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْفَيْضِ ذَا النُّونِ يَقُولُ: «§إِلَهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ طَعْمَ حَلَاوَةِ مُنَاجَاتِكَ فَأَلْهَاهُ شَيْءٌ عَنْ طَاعَتِكَ وَمَرْضَاتِكَ؟ أَمْ -[358]- مَنْ ذَا الَّذِي ضَمِنْتَ لَهُ النَّصْرَ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَاسْتَنْصَرَ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي عَجْزِهِ وَفَاقَتِهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي تَكَفَّلْتَ لَهُ بِالرِّزْقِ فِي سَقَمِهِ وَصِحَّتِهِ فَاسْتَرْزَقَ غَيْرَكَ بِمَعْصِيَتِكَ فِي طَاعَتِهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي عَرَّفْتَهُ آثَامَهُ فَلَمْ يَحْتَمِلْ خَوْفًا مِنْكَ مَئُونَةَ فِطَامِهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي أَطْلَعْتَهُ عَلَى مَا لَدَيْكَ ثُمَّ انْقَطَعَ إِلَيْكَ مِنْ كَرَامَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْكَ صَفْحًا إِخْلَادًا إِلَى الدَّعَةِ فِي طَلَبِ رَاحَتِهِ؟ مَنْ ذَا الَّذِي عَرَفَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ فَآثَرَ الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي لِحُمْقِهِ وَجَهَالَتِهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي شَرِبَ الصَّافِيَ مِنْ كَأْسِ مَحَبَّتِكَ فَلَمْ يَسْتَبْشِرْ بِقَوَارِعِ مِحْنَتِكَ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي عَرَفَ حُسْنَ اخْتِيَارِكَ لِخَلْقِكَ فِي قُدْرَتِكَ فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي عَرَفَ عِلْمَكَ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَقُدْرَتَكَ عَلَى نَفْعِهِ وَضَرِّهِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِكَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِكَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِكَ عَنْ قُدْرَةِ عاجزٍ مِثْلِهِ»

الصفحة 357