كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ، ثنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَدْعُو: «§اللَّهُمَّ مَتِّعْ أَبْصَارَنَا بِالْجَوَلَانِ فِي جَلَالِكَ، وَسَهِّرْنَا عَمَّا نَامَتْ عَنْهُ عُيونُ الْغَافِلِينَ، وَاجْعَلْ قُلُوبَنَا مَعْقُودَةٌ بِسَلَاسِلِ النُّورِ وَعَلِّقْهَا بِأَطْنَابِ التَّفَكُّرِ، وَنَزِّهْ أَبْصَارَنَا عَنْ سِرِّ مَوَاقِفِ الْمُتَحَيِّرِينَ، وَأَطْلِقْنَا مِنَ الْأَسْرِ لِنَجُولَ فِي خِدْمَتِكَ مَعَ الْجَوَّالِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَعْمَلُوا ذِكْرَ قَطْعِ اللَّذَّاتِ، وَخَالِفُوا مَتَاعَ الْغِرَّةِ بِوَاضِحَاتِ الْمَعْرِفَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ لِخِدْمَتِكَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَهُمْ طُلَّابًا، وَلِخَصَائِصِ أَصْفِيَائِكَ أَصْحَابًا، وَلِلْمُرِيدِينَ الْمُعْتَكِفِينَ بِبَابِكَ أَحْبَابًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ غَسَلُوا أَوْعِيَةَ الْجَهْلِ بِصَفْوِ مَاءِ الْحَيَاةِ فِي مَسَالِكِ النَّعِيمِ، حَتَّى جَالَتْ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ مَعَ رُطُوبَةِ أَلْسِنَةِ الذَّاكِرِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ رَتَعُوا فِي زَهْرَةِ رَبِيعِ الْفَهْمِ حَتَّى تَسَامَتْ أَسِنَّةُ الْفِكْرَةِ فَوْقَ سُمُوِّ السُّمُوِّ حَتَّى تَسَامَى بِهِمْ نَحْوَ مَسْامِّ الْعُلْوِيِّينَ بِرَاحَاتِ الْقُلُوبِ وَمُسْتَنْبَطَاتِ عُيونِ الْغُيوبِ بِطُولِ اسْتِغْفَارِ الْوجُوهِ فِي مَحَارِيبِ قُدْسِ رَهْبَانِيَّةِ الْخَاشِعِينَ، حَتَّى لَاذَتْ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ بِجَوَاهِرِ السَّمَاءِ، وَعَبَرَتْ أَفْنِيَةَ النَّوَّاحِينَ مِنْ مَصَافِّ الْكُرُوبِيِّيِّنَ وَمُجَالَسَةِ الرُّوحَانِيِّينَ فَتَوَهَّمُوا أَنْ قَدْ قَرُبَ احْتِرَاقٌ بِالْقُلُوبِ عِنْدَ إِرْسَالِ الْفِكْرَةِ فِي مَوَاقِعِ الْأَحْزَانِ بَيْنَ يَدَيْكَ -[359]-، فَأَحْرَقَتْ نَارُ الْخَشْيَةِ بَصَائِرَ مَنَاقِبِ الشَّهَوَاتِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَسَكَنَتْ خَوَافِي ضُلُوعِ مَضَايِقِ الْغَفَلَاتِ مِنْ صُدُورِهِمْ، فَأَنْبَتَ ذِكْرُ الصَّلَوَاتِ رُقَادَ قُلُوبِهِمْ»

الصفحة 358