كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْحَكَمِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ سَلَّامٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: «§نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّبَطِيِّ إِذَا اسْتَعْرَبَ»
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْحَكَمِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ سَلَّامٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " §رَأَيْتُ فِيَ بَرِيَّةٍ مَوْضِعًا لَهُ دَنْدَرَةٌ فَإِذَا كِتَابٌ فِيهِ مَكْتُوبٌ: احْذَرُوا الْعَبِيدَ الْمُعْتَقِينَ وَالْأَحْدَاثَ الْمُتَقَرِّبِينَ، وَالْجُنْدَ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَالنَّبَطَ الْمُسْتَعْرِبِينَ "
قَالَ «§وَكَانَ ذُو النُّونِ رَجُلًا نَحِيفًا يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ لَيْسَ بِأَبْيَضَ اللِّحْيَةِ»
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ، سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: «§إِلَهِي إِنَّ أَهْلَ مَعْرِفَتِكَ لَمَّا أَبْصَرُوا الْعَافِيَةَ، وَلَمَحُوا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى مُنْتَهَى الْعَاقِبَةِ وَأَيْقَنُوا بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَابْتِدَائِكَ إِيَّاهُمْ بِنِعَمِكَ وَدَلَلْتَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ نَفْعُهُمْ دُونَكَ إِذْ كُنْتَ مُتَعَالِيًا عَنِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ، اسْتَقَلُّوا كَثِيرَ مَا قَدَّمُوا مِنْ طَاعَتِكَ وَاسْتَصْغَرُوا عَظِيمَ مَا اقْتَرَفُوا مِنْ عِبَادَتِكَ، وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ غَيْرُهُمْ. بَذَلُوا الْمَجْهُودَ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِكَ، وَاسْتَعْظَمُوا صِغَرَ التَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ شُكْرِكَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي طَاعَتِكَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ صَغِيرًا كَانَ عِنْدَهُمْ، فَنَحَلَتْ لِذَلِكَ أَبْدَانُهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَخَلَتْ مِنْ غَيْرِكَ قُلُوبُهُمْ، وَاشْتَغَلَتْ بِذِكْرِكَ عُقُولُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، وَانْصَرَفَتْ عَنْ خَلْقِكَ إِلَيْكَ هُمُومُهُمْ، وَآنَسَتْ وَطَابَتْ بِالْخَلْوَةِ فِيكَ نُفُوسُهُمْ، لَا يَمْشُونَ بَيْنَ الْعِبَادِ إِلَّا هَوْنًا وَهُمْ لَا يَسْعَوْنَ فِي طَاعَتِكَ إِلَّا رَكْضًا. إِلَهِي فَكَمَا أَكْرَمْتَهُمْ بِشَرَفِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ وَأَبَحْتَهُمْ رِفْعَةَ هَذِهِ الْفَضَائِلِ، اعْقِدْ قُلُوبَنَا بِحَبْلِ مَحَبَّتِكَ ثُمَّ حَوِّلْنَا فِي مَلَكُوتِ سَمَاوَاتِكَ وَأَرْضِكَ، وَاسْتَدْرِجْنَا إِلَى أَقْصَى مُرَادِكَ دَرَجَةً دَرَجَةً، وَاسْلُكْ بِنَا مَسْلَكَ أَصْفِيَائِكَ مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً، وَاكْشِفْ لَنَا عَنْ مَكْنُونِ عِلْمِكَ حِجَابًا حِجَابًا، حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى رِيَاضِ الْأُنْسِ، وَتَجْتَنِيَ مِنْ ثِمَارِ الشَّوْقِ إِلَيْكَ، وَتَشْرَبَ مِنْ حِيَاضِ مَعْرِفَتِكَ، وَتَتَنَزَّهُ فِي بَسَاتِينِ نَشْرِ آلَائِكَ وَتَسْتَنْقِعُ فِي غُدْرَانِ ذِكْرِ نَعْمَائِكَ، ثُمَّ ارْدُدْهَا إِلَيْنَا بِطَرَفِ الْفَوَائِدِ، وَامْدُدْهَا بِتُحَفِ الزَّوَائِدِ، وَاجْعَلِ الْعُيونَ مِنَّا فَوَّارَةً بِالْعَبَرَاتِ، وَالصُّدُورَ مِنَّا مَحْشُوَّةً بِالْحُرُقَاتِ، وَاجْعَلْ قُلُوبَنَا مِنَ الْقُلُوبِ -[368]- الَّتِي سَافَرَتْ إِلَيْكَ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَاجْعَلْ أَنْفُسَنَا مِنَ الْأَنْفُسِ الَّتِي زَالَتْ عَنِ اخْتِيَارِهَا لِهَيْبَتِكَ، أَحْيِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَتَوَفَّنَا إِذَا تَوَفَّيْتَنَا عَلَى مِلَّتِكَ رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ هُدَاةً مَهْدِيِّينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ مَغْضُوبٍ عَلَيْنَا وَلَا ضَالِّينَ»

الصفحة 367