كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: «إِنَّ §لِلَّهِ عِبَادًا عَلِمُوا الطَّرِيقَ إِلَيْهِ وَالْوُقُوفَ غَدًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَثَارَتِ الْقُلُوبُ إِلَى مَحْجُوبِ الْغُيوبِ فَجُرِّعُوا مَرَارَةَ مَذَاقِ خَوْفٍ وَاسْتَعْمَلُوا الظَّلَامَ فِي رِضَى صَاحِبِ السَّمَاوَاتِ، فَسَقَاهُمْ مِنْ أَعْيُنِ الْعِلْمِ وَالزِّيَادَاتِ وَغَوَّصَهُمْ فِي بِحَارِ السَّلَامَاتِ، فَهُمْ غَدًا يَسْلَمُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الزَّلَازِلِ وَالسَّطَوَاتِ وَيَسْكُنُونَ الْغُرُفَاتِ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ بَحْرٍ الْأَسَدِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَبِّدِينَ: §كُنْتُ مَعَ ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ لِمَ صَارَ الْوقُوفُ بِالْجَبَلِ وَلَمْ يَصِرْ بِالْكَعْبَةِ، قَالَ: «لِأَنَّ الْكَعْبَةَ بَيْتُ اللَّهِ وَالْجَبَلُ بَابُ اللَّهِ، فَلَمَّا قَصَدُوهُ وَافِدِينَ أَوْقَفَهُمْ بِالْبَابِ يَتَضَرَّعُونَ». فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَيْفَ صَارَ بِالْحَرَمِ قَالَ: «لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ أَوْقَفَهُمْ بِالْحِجَابِ الثَّانِي وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ، فَلَمَّا طَالَ تَضَرُّعُهُمْ أَمَرَهُمْ بِتَقْرِيبِ قُرْبَانِهِمْ فَتَطَهَّرُوا بِهَا مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ حِجَابًا دُونَهُ، وَأَذِنَ بِالزِّيَارَةِ إِلَيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ». قِيلَ لَهُ: فَلِمَ كُرِهَ الصَّوْمُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ الْقَوْمَ زَارُوا اللَّهَ وَهُمْ فِي ضِيَافَتِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ عِنْدَ مَنْ أَضَافَهُ»، قِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَتَعَلُّقُ الرَّجُلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ لِأَيِّ مَعْنًى؟ قَالَ: «هُوَ مِثْلُ الرَّجُلِ تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ جِنَايَةٌ فَيَتَعَلَّقُ بِثَوْبِهِ وَيَسْتَجْدِي لَهُ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ لِيَهَبَ لَهُ جُرْمَهُ وَجِنَايَتَهُ»
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: §رَأَيْتُ سَعْدُونَ فِي مَقْبَرَةِ الْبَصْرَةِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَهُوَ ينَاجِي رَبَّهُ وَيَقُولُ بِصَوْتٍ عَالٍ: «أَحَدٌ أَحَدٌ»، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: بِحَقِّ مَنْ نَاجَيْتَهُ -[371]- إِلَّا وَقَفْتَ، فَوَقَفَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «قُلْ وَأَوْجِزْ»، قُلْتُ: تُوصِينِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظُهَا مِنْكَ وَتَدْعُو لِي بِدَعْوَةٍ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ «
[البحر المنسرح]
يَا طَالِبَ الْعِلْمِ هَاهُنَا وَهُنَا ... وَمَعْدِنُ الْعِلْمِ مِنْ جَنْبَيْكَا
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الْجِنَانَ تَسْكُنُهَا ... فَاذْرِفِ الدَّمْعَ فَوْقَ خَدَّيْكَا
وَقُمْ إِذَا قَامَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ ... تَدَعُوهُ كَيْ مَا يَقُولَ لَبَّيْكَا»
ثُمَّ مَضَى وَقَالَ: «يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ أَغِثْنِي»، فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِنَفْسِكَ فَلَعَلَّهُ يَلْحَظُكَ لَحْظَةً فَيَغْفِرُ لَكَ، فَصَرَفَ يَدَهُ مِنْ يَدِي وَعَدَا وَهُوَ يَقُولُ: «
[البحر الوافر]
آنَسْتُ بِهِ فَلَا أَبْغِي سِوَاهُ ... مَخَافَةَ أَنْ أَضِلَّ فَلَا أَرَاهُ
فَحَسْبُكَ حَسْرَةً وَضَنًا وَسَقَمًا ... بَطَرْدِكَ مِنْ مَجَالِسِ أَوْلَيَاهُ»

الصفحة 370