كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا ظُفُرٌ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ، ثنا يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " سَمِعْتُ عَابِدًا يَقُولُ: إِنَّ §لِلَّهِ عِبَادًا أَبْصَرُوا فَنَظَرُوا، فَلَمَّا نَظَرُوا عَقَلُوا، فَلَمَّا عَقَلُوا عَلِمُوا، فَلَمَّا عَلِمُوا عَمِلُوا، فَلَمَّا عَمِلُوا انْتَفَعُوا، رُفِعَ الْحِجَابُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَنَظَرُوا بِأَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ إِلَى مَا ذُخِرَ لَهُمْ مِنْ خَفِيِّ مَحْجُوبِ الْغُيوبِ فَقَطَعُوا كُلَّ مَحْجُوبٍ، وَكَانَ هُوَ الْمُنَى وَالْمَطْلُوبَ "
حَدَّثَنَا ظُفُرٌ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ دَرَجَةٍ يَلْقَاهَا الْعَارِفُ، قَالَ: «§التَّحَيُّرُ ثُمَّ الِافْتِقَارُ، ثُمَّ الِاتِّصَالُ، ثُمَّ انْتَهَى عَقْلُ الْعُقَلَاءِ إِلَى الْحِيرَةِ»، قَالَ: وَسُئِلَ ذُو النُّونِ: مَا أَغْلَبُ الْأَحْوَالِ عَلَى الْعَارِفِ؟ قَالَ: «حُبُّهُ وَالْحُبُّ فِيهِ وَنَشْرُ الْآلَاءِ وَهِيَ الْأَحْوَالُ الَّتِي لَا تُفَارِقُهُ»
حَدَّثَنَا ظُفُرٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: «§مَا أَعَزَّ اللَّهُ عَبْدًا بِعِزٍّ هُوَ أَعَزُّ لَهُ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُ عَلَى ذُلِّ نَفْسِهِ، وَمَا أَذَلَّ اللَّهُ عَبْدًا بِذُلٍّ هُوَ أَذَلُّ لَهُ مِنْ أَنْ يَحْجُبَهُ عَنْ ذُلِّ نَفْسِهِ»
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الرَّازِيِّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ شُخْرُفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " §خَرَجْتُ فِي طَلَبِ الْمُبَاحِ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَدْ غَاصَ فِي بَحْرِ الْوَلَهِ، وَخَرَجَ عَلَى سَاحِلِ الْكَمَدِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِصْرَارَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ لُؤْمٌ، وَتَرْكِي الِاسْتِغْفَارَ مَعَ مَعْرِفَتِي بِسِعَةِ عَفْوِكَ عَجْزٌ، يَا إِلَهِي أَنْتَ خَصَّصْتَ خَصَائِصَكَ بِخَالِصِ الْإِخْلَاصِ، وَأَنْتَ الَّذِي تَضِنَّ بِضَنَائِنِكَ عَنْ شَوَائِبِ الِانْتِقَاصِ، وَأَنْتَ الَّذِي سَلَّمْتَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ عَنِ اعْتِرَاضِ الْوَسْوَاسِ، وَأَنْتَ الَّذِي آنَسْتَ الْآنِسِينَ مِنْ أَوْلِيَائِكَ فَأَعْطَيْتَهُمْ كِفَايَةَ رِعَايَةِ وِلَايَةِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، تَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ وَتَطَّلِعُ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، وَسِرِّي عِنْدَكَ مَكْشُوفٌ، وَأَنَا إِلَيْكَ مَلْهُوفٌ، وَأَنْتَ بِالْإِحْسَانِ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ سَكَتَ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا "
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُذَكِّرُ، ثنا -[375]- الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: " §خَرَجْتُ حَاجًّا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَبَيْنَا أَنَا بِالطَّوَافِ إِذَا بِشَخْصٍ مُتَعَلِّقٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَإِذَا هُوَ يَبْكِي وَهُوَ يَقُولُ فِي بُكَائِهِ: كَتَمْتُ بَلَائِي مِنْ غَيْرِكَ وَبُحْتُ بِسِرِّي إِلَيْكَ، وَاشْتَغَلْتُ بِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَسْلُو عَنْكَ، وَلِمَنْ ذَاقَ حُبَّكَ كَيْفَ يَصْبِرُ عَنْكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
ذَوَّقْتَنِي طِيبَ الْوِصَالِ فَزِدْتَنِي ... شَوْقًا إِلَيْكَ مُخَامِرَ الْحَسَرَاتِ
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: أَمْهَلَكِ فَمَا ارْعَوَيْتِ، وَسَتَرَ عَلَيْكِ فَمَا اسْتَحَيَيْتِ، وَسَلَبَكِ حَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ فَمَا بَالَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: عَزِيزِي مَا لِي إِذَا قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ أَلْقَيْتَ عَلَيَّ النُّعَاسَ، وَمَنَعْتَنِي حَلَاوَةَ قُرَّةِ عَيْنِي لَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
رَوَّعْتَ قَلْبِي بِالْفِرَاقِ فَلَمْ أَجِدْ ... شَيْئًا أَمَرَّ مِنَ الْفِرَاقِ وَأَوْجَعَا
حَسْبُ الْفِرَاقِ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَنَا ... وَأَطَالَ مَا قَدْ كُنْتُ مِنْهُ مُوَدَّعَا
قَالَ: فَلَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ أَتَيْتُ الْكَعْبَةَ مُسْتَخْفِيًا، فَلَمَّا أَحَسَّ تَحَلَّلَ بِخِمَارٍ كَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا النُّونِ غُضَّ بَصَرَكَ مِنْ مَوَاقِعِ النَّظَرِ فَإِنِّي حَرَامٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ، فَقُلْتُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ مِمَّ يَحْوِي الْهُمُومَ قَلْبُ الْمُحِبِّ؟ فَقَالَتْ: إِذَا كَانَتِ لِلتَّذْكَارِ مُحَاوَرَةً، وَلِلشَّوْقِ مُحَاضِرَةً، يَا ذَا النُّونِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّوْقَ يُورِثُ السَّقَامَ، وَتَجْدِيدَ التَّذْكَارِ يُورِثُ الْأَحْزَانَ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر المديد]
لَمْ أَذُقْ طَعْمَ وَصْلِكَ حَتَّى ... زَالَ عَنِّي مَحَبَّتِي لِلْأَنَامِ
ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
نِعْمَ الْمُحِبُّ إِذَا تَزَايَدَ وَصْلُهُ ... وَعَلَتْ مَحَبَّتُهُ بِعُقْبِ وِصَالِ
فَقَالَتْ: أَوْجَعْتَنِي، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُبْلَغُ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَرْكِ مَنْ دُونَهُ "

الصفحة 374