كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ، ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: «§أَسْفَرَتْ مَنَازِلُ الدُّجَى وَثَبَتَتْ حِجَجُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَآخِذٌ بِحَظِّهِ وَمُضَيِّعٌ لِنَفْسِهِ -[382]-، فَمَنَارَهُ حِكْمَتُهُ وَحُجَّتُهُ كِتَابُهُ. فَقَامَتِ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا فَأَقْعَدَتِ الْمُرِيدَ وَأَلْهَتِ الْغَافِلَ فَلَا الْمُرِيدُ طَلَبَ دَوَاءَهُ وَلَا الْغَافِلُ عَرَفَ دَاءَهُ. ثُمَّ خَصَّ اللَّهُ خَصَائِصَ مِنْ خَلْقِهِ فَعَرَّفَهُمْ حِكْمَتَهُ فَنَظَرُوا مِنْ أَعْيُنِ الْقُلُوبِ إِلَى مَحْجُوبٍ فَسَاحَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ بِأَطْيَبِ جَنَى ثِمَارِ السُّرُورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ صَيَّرُوا الدُّنْيَا مَعْبَرًا وَالْآخِرَةَ مَنْزِلًا هِمَّتُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَأَوَّلُ ابْتِدَاءِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى مَنِ اخْتَصَّ اللَّهَ مِنْ خَلْقِهِ إِهَاجَةُ النُّفُوسِ عَلَى مَنَاظِرِ الْعُقُولِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَ لَهَا شَوَاهِدُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ تَقِفُ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَهُمَا حَالَانِ يُوَرِّثَانِ الْهَمَّ وَيَحُثَّانِ عَلَى الطَّلَبِ وَلَنْ تَغْنَى النَّفْسُ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِاللَّهِ»

الصفحة 381