كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ «§لَا يَتَفَكَّرُ الْقَلْبُ لِغَيْرِ اللَّهِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ»
حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: «§اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَظَلُّوا تَحْتَ رِوَاقِ الْحُزْنِ، وَقَرَءُوا صُحُفَ الْخَطَايَا، وَنَشَرُوا دَوَاوِينَ الذُّنُوبِ، فَأَوْرَثَهُمُ الْفِكَرُ الصَّالِحَةَ فِي الْقَلْبِ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ أَدَّبُوا أَنْفُسَهُمْ بِلَذَّةِ الْجُوعِ وَتَزَيَّنُوا بِالْعِلْمِ، وَسَكَنُوا حَظِيرَةَ الْوَرَعِ، وَغَلَّقُوا أَبْوَابَ الشَّهَوَاتِ، وَعَرَفُوا مَسِيرَ الدُّنْيَا بِمُوقِنَاتِ الْمَعْرِفَةِ حَتَّى نَالُوا عُلُوَّ الزُّهْدِ فَاسْتَعْذَبُوا مَذَلَّةَ النُّفُوسِ فَظَفَرُوا بِدَارِ الْجَلَالِ وَتَوَاسَوْا بَيْنَهُمْ بِالسَّلَامِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ فَتَقْتَ لَهُمْ رَتْقَ غَوَاشِي جُفُونِ الْقُلُوبِ، حَتَّى نَظَرُوا إِلَى تَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ وَشَوَاهِدِ حُجَجِ تِبْيَانِكَ فَعَرَفُوكَ بِمَوْصُولِ فِطَنِ الْقُلُوبِ، فَرَقِيَتْ أَرْوَاحُهُمْ عَنْ أَطْرَافِ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ الْمَلَكُوتِ زُوَّارًا وَأَهْلُ الْجَبَرُوتِ عُمَّارًا، وَتَرَدَّوْا فِي مَصَافِّ الْمُسَبِّحِينَ وَلَاذُوا بِأَفْنِيَةِ الْمُقَدَّسِينَ فَتَعَلَّقُوا بِحِجَابِ الْعِزَّةِ وَنَاجَوْا رَبَّهُمْ عِنْدَ مُطَارَفَةِ كُلِّ شَهْوَةٍ حَتَّى نَظَرُوا بِأَبْصَارِ الْقُلُوبِ إِلَى عِزِّ الْجَلَالِ إِلَى عَظِيمِ الْمَلَكُوتِ، فَرَجَعَتِ الْقُلُوبُ إِلَى الصُّدُورِ عَلَى الثَّبَاتِ بِمَعْرِفَةِ تَوْحِيدِكَ فَلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، فِي صَحْنِ مَسْجِدِ ذِي النُّونِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: «
[البحر الرجز]
§حُبُّكَ قَدْ أَرَّقَنِي ... وَزَادَ قَلْبِي سَقَمَا
كَتَمْتُهُ فِي الْقَلْبِ ... وَالْأَحْشَا حَتَّى انْكَتَمَا
لَا تَهْتِكْ سِتْرِيَ ... الَّذِي أَلْبَسْتَنِي تَكَرُّمَا
ضَيَعْتُ نَفْسِي سَيِّدِي ... فَرُدَّهَا مُسَلِّمَا»
ثُمَّ قَالَ: «سَقَى اللَّهُ أَرْوَاحَ قَوْمٍ مُنَاهَا إِنْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَنَسُوا النُّفُوسَ لَمْ يَذْكُرُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ». ثُمَّ قَالَ: «هُمْ وَاللَّهِ مُرَادُونَ قَدْ خُصُّوا وَصُفُّوا وَطُيِّبُوا فَعَاشُوا -[384]- بِرَوْحِ اللَّهِ فِي أَعْظَمِ الْقَدْرِ»

الصفحة 383