كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ، ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى يَأْنَسُ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ؟ قَالَ: «§إِذَا خَافَهُ أَنِسَ بِهِ، إِنَّمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَنْ وَاصَلَ الذُّنُوبَ نُحِّيَ عَنْ بَابِ الْمَحْبُوبِ»
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: " §بَلَغَنِي أَنَّ ذَا النُّونِ، يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، فَخَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ قَاصِدًا إِلَيْهِ حَتَّى وَافَيْتُهُ فِي جِيزَةِ مِصْرَ، فَأَوَّلُ مَا بَصُرَ بِي وَرَآنِي وَأَنَا طَوِيلُ اللِّحْيَةِ وَفِي يَدِي رَكْوَةٌ طَوِيلَةٌ مُتَّزِرٌ بِمِئْزَرٍ وَعَلَى كَتِفَيَّ ِمِئْزَرٌ، وَفِي رِجْلِي نَامُوسَةٌ فَاسْتَشْنَعَ مَنْظَرِي، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ ازْدَرَانِي وَلَمْ أَرَ مِنْهُ تِلْكَ الْبَشَاشَةَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا تَدْرِي مَعَ مَنْ وَقَعْتَ؟ قَالَ: فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَبْرَحْ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُتُكَلِّمِينَ فَنَاظَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ فَاسْتَظْهَرَ عَلَى ذِي النُّونِ وَعَلَيْهِ، فَاغْتَنَمْتُ ذَلِكَ وَبَرَكْتُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا وَاسْتَلَبْتُ الْمُتَكَلِّمَ إِلَيَّ وَنَاظَرْتُهُ حَتَّى قَطَعْتُهُ. ثُمَّ نَاظَرْتُهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامِي، قَالَ: فَتَعَجَّبَ ذُو النُّونِ - وَكَانَ شَيْخًا وَأَنَا شَابٌّ - قَالَ: فَقَامَ مِنْ مَكَانِهِ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيَّ وَقَالَ: اعْذُرْنِي فَإِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَحَلَّكَ مِنَ الْعِلْمِ وَأَنْتَ آثَرُ النَّاسِ عِنْدِي. قَالَ فَمَا زَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِلُّنِي وَيُكْرِمُنِي وَيَرْفَعُنِي عَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَقِيتُ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا أَسْتَاذُ أَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ، وَقَدِ اشْتِقْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدْ خَدَمْتُكَ سَنَةً، وَقَدْ وَجَبَ حَقِّي عَلَيْكَ وَقِيلَ لِي إِنَّكَ تَعْرِفُ اسْمَ اللَّهِ -[387]- الْأَعْظَمَ وَقَدْ جَرَّبْتَنِي وَعَرَفْتَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ فَإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُهُ فَعَلِّمْنِي إِيَّاهُ. قَالَ: فَسَكَتُّ ذُو النُّونِ عَنِّي وَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ وَأَوْهَمَنِي أَنَّهُ لَعَلَّهُ يَقُولُ لِي وَيُعَلِّمُنِي ثُمَّ سَكَتَ عَنِّي سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَسْأَلَتِي إِيَّاهُ قَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ أَلَيْسَ تَعْرِفُ فُلَانًا صَدِيقَنَا بِالْفُسْطَاطِ الَّذِي يَجِيئُنَا - وَسَمَّى رَجُلًا -؟ فَقُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مِنْ بَيْتِهِ طَبَقًا فَوْقَهُ مِكَبَّةٌ مَشْدُودٌ بِمِنْدِيلٍ، فَقَالَ لِي: أَوْصِلْ هَذَا إِلَى مَنْ سَمَّيْتُ لَكَ بِالْفُسْطَاطِ. قَالَ فَأَخَذْتُ الطَّبَقَ لِأُوَدِّيَهُ فَإِذَا طَبَقٌ خَفِيفٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الْجِسْرَ الَّذِي بَيْنَ الْفُسْطَاطِ وَالْجِيزَةِ قُلْتُ فِي نَفْسِي: ذُو النُّونِ يُوَجِّهُ إِلَى رَجُلٍ بِهَدِيَّةٍ وَهَذَا أَرَى طَبَقًا خَفِيفًا لَأُبْصِرَنَّ أَيَّ شَيْءٍ فِيهِ. قَالَ: فَحَلَلْتُ الْمِنْدِيلَ وَرَفَعْتُ الْمَكَبَّةَ فَإِذَا فَأْرَةٌ قَدْ قَفَزَتْ مِنَ الطَّبَقِ فَمَرَّتْ. قَالَ: فَاغْتَظْتُ وَقُلْتُ إِنَّمَا سَخِرَ بِي ذُو النُّونِ وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمِي إِلَى مَا أَرَادَ فِي الْوَقْتِ، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا مُغْضَبٌ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ وَعَرَفَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ: يَا مَجْنُونُ ائْتَمَنْتُكَ فِي فَأْرَةٍ فَخُنْتَنِي أَأَئتَمِنُكَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، قُمْ عَنِّي فَارْتَحِلْ وَلَا أَرَاكَ بَعْدَ هَذَا "

الصفحة 386