كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَذَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عِيسَى الْبَغْدَادِيُّ، يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ زرافةَ، صَاحِبِ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ ذُو النُّونِ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دَخَلَ عَلَيَّ لِيُوَدِّعَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: اكْتُبْ لِي دَعْوَةً. فَفَعَلَ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ جَامَ لَوْزَيَنْجَ فَقُلْتُ لَهُ: كُلْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ يَرْزِنُ الدِّمَاغَ وَيَنْفَعُ الْعَقْلَ. فَقَالَ: «يَنْفَعُهُ غَيْرُ هَذَا». قُلْتُ: وَمَا يَنْفَعُهُ قَالَ: " §اتِّبَاعُ أَمْرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ نَهْيِهِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ» فَقُلْتُ: أَكْرِمْنِي بِأَكْلِهِ، فَقَالَ: «أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا». قُلْتُ: وَأَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: «هَذَا لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْحُلْوَ وَلَا يَعْرِفُ أَكْلَهُ، وَإِنَّ أَهْلَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ يَتَحَذَّرُونَ خِلَافَ هَذَا اللَّوْزَيَنْجِ». قُلْتُ: لَا أَظُنُّ أَحَدًا فِي الدُّنْيَا يُحْسِنُ أَنْ يَتَّخِذَ أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مَطْبَخِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: «أَنَا أَصِفُ لَكَ لَوْزَيَنْجَ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ». قُلْتُ: هَاتِ لِلَّهِ أَبُوكَ. قَالَ: «خُذْ لُبَابَ مَكْنُونٍ مَحْضِ طَعَامِ الْمَعْرِفَةِ وَاعْجِنْهُ -[388]- بِمَاءِ الِاجْتِهَادِ وَانْصُبْ أَثْفِيَةَ الِانْكِمَادِ، وَطَابِقْ صَفْوَ الْوِدَادِ، ثُمَّ اخْبِزْ خُبْزَ لَوْزَيَنْجَ الْعُبَّادِ بِحَرِّ نِيرَانِ نَفْسِ الزُّهَّادِ، وَأَوْقِدْهُ بِحَطَبِ الْأَسَى حَتَّى تَرْمِيَ نِيرَانَ وُفُودِهَا بِشَرَرِ الضَّنَا ثُمَّ احْشُ ذَلِكَ بِقَيْدِ الرِّضَا وَلَوْزِ الشَّجَا مِنْ ضَوْضَانَ بِمِهْرَاسِ الْوَفَا، مُطَيِّبًا بِطِينَةِ رِقَّةِ عِشْقِ الْهَوَى، ثُمَّ اطْوِهِ طَيَّ الْأَكْيَاسِ لَلْأَيَّامِ بِالْعَرَا، وَقَطِّعْهُ بِسَكَاكِينِ السَّهَرِ فِي جَوْفِ الدُّجَا، وَارْفُضْ لَذِيذَ الْكَرَا وَنَضِّدْهُ عَلَى جَامَاتِ الْقَلَقِ وَالسَّهَرِ، وَانْتَثِرْ عَلَيْهِ سُكَّرًا بِعَسَلٍ مِنْ زَفَرَاتِ الْحُرَقِ ثُمَّ كُلْهُ بِأَنَامِلِ التَّفْويِضِ فِي وَلَائِمِ الْمُنَاجَاةِ بِوِجْدَانِ خَوَاطِرِ الْقُلُوبِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَفْرِيجُ كُرَبِ الْقُلُوبِ، وَمَحَلُّ سُرُورِ الْمُحِبِّ بِالْمَلَكِ الْمَحْبُوبِ ثُمَّ وَدَّعَنِي»

الصفحة 387